كثير من الدعاية الانتخابية التي تغطي الشارع لا تثير اهتمام الناخب ، بسبب تجربة الدورة السابقة ، والواقع المقلق ، والاحباط ، أخلاقيا تعد الدعاية الانتخابية الملتزمة تعهدات ، والتعهدات كلمات مكتوبة لها ثمن ، ومن يعطي تعهدا ولا ينفذه كتاجر يتعامل بنقود مزورة ، الدعاية مختصر لمنظومة مفاهيم وقيم ، واذا قيل يوما (يجب انتخاب الاصلح) اي يجب انتخاب من لديه مخطط انقاذ لهذه المحافظة او تلك الغارقة في التخلف والفقر والبطالة والفساد واكوام النفايات ومياه المجاري والامراض والجفاف والخراب الشامل وعصابات القتل والخطف ، في بعض المحافظات ينتشر الفاسدون كالجراد ، يهيمنون على كل شيء ، الادارة والاقتصاد والامن والاعمار ، الرشوة والمحسوبية والدسائس والمؤامرات والكذب والنفاق والخيانة ، مستنقع اخلاقي ، جلادون قدامى ، لصوص ، رجال حواسم ، وجوه مقززة ممن ملأ الحرام بطونهم واعمى بصائرهم ، الشريف مستهدف وقد يقتل ، تجربة الديمقراطية في العراق حديثة ، لكنها لايمكن ان تبقى سلالم دائمية يتسلقها الفاسدون الى القمة ، اخطاء كارثية ولكن يفترض ان تنضج التجربة اكثر بعد كل دورة ، المطلوب ان تتسع سلطة الناخب وشجاعته ووعيه وثقته بنفسه وادراكه لحجم ونوع الانحطاط القائم ، يجب ان يتطور تعريف (انتخاب الاصلح) في الذهن الاجتماعي ، ليس الاصلح هو الذي يتعهد فقط ، بل الاصلح هو : ( الكفوء ، النزيه ، المهني ، القيادي ) اربع صفات ، لكن في نظام المؤسسات العالمي الجديد لا تجدي الصفات الفردية نفعا ، لا يدخل بها صاحبها جنة ولا يخرج بها من نار ، بل يجب ان تكون صفات مركبة أي مواصفات فريق وليس فردا ، عضو مجلس المحافظة الكفوء ليس الذي ينجز اعمالا متطابقة مع المعايير الكمية والكيفية والزمنية ، بل الكفوء هو الذي ينجح في اكتشاف اصحاب الكفاءة في وسطه الوظيفي ويشكل منها جبهة متماسكة تحارب الفشل ، وليس النزيه الذي لا يسرق فقد تجد كثيرا في دوائر الدولة ممن لا يسرقون ترفعا وتدينا يطوقهم حشد من الفاسدين ، بل النزيه هو الذي يمتلك القدرة على اكتشاف الشرفاء في محيطه الوظيفي ويشكل منهم جبهة لمحاربة الفساد ، وليس المهني هو التكنوقراط فقط بل هو الذي يستطيع ان يحول الاداء التكنوقراطي الخدمي غير المسيسس الى قانون يسقط ما سواه من قوانين الاستقطاب والمحسوبية ، وليس القيادي في المحافظات من يمتلك الكاريزما والتواضع بل القيادي هو من يكتشف القدرات القيادية في محيطه الوظيفي ويطورها ويدفعها الى الواجهة لتأخذ دورها ، ويحيط به من الرجال والنساء الاكثر نبلا وشرفا . العراق بلد غارق ، ولم يفقد الوعي بعد ، ولم تمتلئ رئتاه بالماء ، ما زال يتنفس وهناك فرصة لانقاذه ، والتنمية الشاملة هي الانقاذ ، ولا تكون التنمية الا عبر نظام لا مركزي ، ولا تتكون الادارة اللامركزية الا بوجود مجالس المحافظات والبلديات النشطة ذات الصلاحيات الكافية ، أي المجالس التي تتشكل من اصحاب الصفات اعلاه ، تقاليد جديدة في تكوين فريق التخطيط والتنفيذ والرقابة والمحاسبة في تبادل ادوار مع المجتمع ، فالناخب يختار هؤلاء بهذه المعايير وهم بدورهم يتولون تطوير حواضن التنمية الشاملة ، تجربة مجالس المحافظات السابقة ليست موفقة ، اعقبها موقف اجتماعي ، فقدان ثقة شعبي بالديمقراطية ، يأس طائفي ، احباط مناطقي ، حيرة وتشاؤم ، يجب ان ترمم الانتخابات الجديدة ما افسدته السابقة ، انتشال بلد يغرق في لحظات ما قبل الاغماء .