وعملية اقتحام ساحة الاعتصام صباح هذا اليوم من قبل تشكيلات من الجيش العراقي والقوات الامنية اماطت اللثام عن جانب من تلك المخاطر.
فهي اثبتت ان تنظيم القاعدة كان يمثل المحور والموجه للاحداث، ولعل ضبط ١٢٧ استمارة انتماء لما يسمى بـ"لواء التأميم" التابع للطريقة النقشبندية الذي يديره نائب رئيس النظام السابق عزت الدوري دليل واضح وقوي على وجود تنظيم القاعدة.
ومن ثم فأن العثور على كميات غير قليلة من الاسلحة الخفيفة والمتوسطة في ساحة الاعتصام، يعني وجود نوايا مبيتة لدى الجهات المسؤولة والمشرفة على الاعتصام لارتكاب اعمال ارهابية.
واضافة الى ذلك فأن استخدام الناس، لاسيما الاطفال كدروع بشرية من خلال احتجازهم رغما عنهم، يعزز القناعات المسبقة بأن القضية تتجاوز كثيرا مطاليب تتعلق بأطلاح سراح سجناء، والغاء قانون المساءلة والعدالة ومنح حقوق تقاعدية لذوي المشمولين بهذا القانون.
واذا عدنا قليلا الى الوراء فيمكن القول انه في حال كانت الاستفزازات التي حصلت قبل عدة اسابيع قرب ساحة الاعتصام المتظاهرين في مدينة الفلوجة التابعة لمحافظة الانبار قد تم احتوائها بأقل قدر من الخسائر والاستحقاقات، فأن محاولة بعض الاطراف تكرار التجربة في مكان اخر اشارت بوضوح الى ان اجندات خلط الاوراق مازالت قائمة وستبقى قائمة مادام هناك من يشجع ويدعم ويوجه، وماتبين صباح الثلاثاء لايحتاج الى المزيد من الادلة والحجج والبراهين.
كيف بدأت ازمة ساحة اعتصام الحويجة؟..
ماحصل هناك ابتداء هو اندلاع اشتباكات قرب نقطة تفتيش مشتركة لقوات الجيش والشركة تقع على مقربة من ساحة الاعتصام وذلك في يوم الجمعة الماضي، الموافق التاسع عشر من شهر نيسان-ابريل الجاري، حينما اعتدى بعض المتظاهرين المسلحين على عناصر نقطة التفتيش وقتلوا واحدا منهم واصابوا اخرين، والجندي الذي قتل هو سعد ابراهيم محمد الجبوري ابن شقيقة عضو البرلمان العراقي الشيخ ابراهيم نايف المهيري.
والقضية الاخرى التي ذكرها قائد الفرقة الثانية عشر التابعة لعملايت قوات دجلة اللواء الركن محمد خلف الدليمي، وهي ان المسؤولين عن الاعتصام احتجزوا مائة وخمسين شابا ومنعوهم من مغادرة ساحة الاعتصام، الامر الذي دفع عوائهم الى الاستنجاد بقوات الجيش لتخليص ابنائهم
ويقول اللواء الدليمي "ان مناشدات وصلت إلينا من أهالي قرية المدينة وجميلة والعاكولة الذين يشارك أبنائهم بتظاهرة الحويجة التي جرت عقب صلاة الجمعة الماضية في ساحة الاعتصام إلى التدخل وانقاذ أبنائهم، حيث ان ١٥٠ شابا أرادوا الخروج من ساحة الاعتصام في القضاء، لكن قياديين في ساحة الاعتصام هما خالد صبار العبز والناطق باسم معتصمي الحويجة حامد الجبوري هددوهم بالقتل".
ولاشك ان عملية احتجاز عشرات الاشخاص واستخدامهم "دروعا بشرية" يعد اسلوبا جديدا قررت الجماعات المناهضة للحكومة اتباعه من اجل الحصول على التنازلات، وتحقيق انتصار على الحكومة، والانتصار على الحكومة يعني الغاء الدستور وافشال العملية السياسية، وفرض لغة القوة والعنف والارهاب في الشارع العراقي.
وفي الوقت الذي اكتفت القوات الحكومية بمحاصرة ساحة الاعتصام وقطع المؤن والامدادات عن المعتصمين لارغامهم على اخلاء سبيل المحتجزين وانهاء الاعتصام، واجلت خيار استخدام القوة العسكرية ضدهم، وجعله بمثابة (اخر الدواء الكي)، راح المسؤولون عن الاعتصام والمؤيدون لهم يتحدثون عن كارثة انسانية يتعرض لها المعتصمون وبينهم اطفالا وشيوخا، جراء الحصار المفروض من قبل قوات الجيش، ويتحدثون عن اعتقالات عشوائية.
وقد دخل على خط الحملات ضد الحكومة وزير المالية المستقيل رافع العيساوي، ورجل الاعمال والممول الرئيسي للقائمة العراقية خميس الخنجر ومفتي الديار العراقية الشيخ رافع العامري، والملفت ان الاخير صور مايجري في الحويجة بأنه شبيه بحصار جيش عمر بن زياد لجيش الامام الحسين في كربلاء.
وجاءت تطورات الاحداث في مدينة الحويجة على خلفية تصريحات ادلى بها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في تجمع انتخابي الاسبوع الماضي في محافظة ذي قار(الناصرية) جنوب البلاد هاجم فيها المتظاهرين والمعتصمين بشدة، واصفا اياهم بـالمتمردين، ومحذرهم من موقف آخر إذا لم يعودوا إلى التفاهم على أساس الدستور والوحدة الوطنية، بدلاً من التهديد من القوة، قائلا لقد "صبرنا عليهم كثيراً لأنهم أخوة لنا ولكن عليهم أن يعتقدوا إن جد الجد وانتهت الفرصة ولم تعد الحكمة تنفع مع هؤلاء المتمردين فسيكون لنا حديث آخر وللشعب العراقي موقف لن يكون بعيدا، وان الحرص على دماء العراقيين ربما يقتضي منا موقفاً مسؤولاً في محاسبة كل الذين يخرجون عن القانون".
وهذه التصريحات خلقت ردود فعل حادة في الوسط السني، وحتى من شخصيات تبنت مؤخرا مواقف قريبة من مواقف الحكومة مثل رئيس جبهة الحوار الوطني صالح المطلك، الذي انتقد المالكي على تصريحاته الاستفزازية.
وترى بعض الاوساط السياسية ان التصعيد في الحويجة جاء لتلافي الضعف والتفكك الحاصل في صفوف المتظاهرين بالانبار، والذي وصل الى حد حصول مصادمات بين فريق يدعو الى التهدئة والتفاوض مع الحكومة، والى فريق اخر يصر على مواصلة التظاهرات رافعا شعار الزحف الى بغداد واسقاط الحكومة الطائفية وانهاء العملية السياسية برمتها.
ومن زاوية اخرى ربما اريد من ورائها التغطية على اي نجاح يمكن ان يتحقق في انتخابات مجالس المحافظات، وهذه الرؤية فيها قدرا كبيرا من الواقعية، لاسيما وان افتعال الازمة حصل قبل يوم واحد من موعد الانتخابات.
وبما ان الاوضاع في مدينة كركوك تمتاز بقدر اكبر من الحساسية والخطورة بسبب التركيبة السكانية المتداخلة قوميا ومذهبيا، ووجود نوع من الشد والجذب فيما بين بعض المكونات، ناهيك عن كون كركوك تعد من ابرز المناطق المتنازع عليها، فأن الحكومة ربما ترى لهذه الاسباب ولغيرها انها ملزمة ان تتخذ اجراءات حازمة ومدروسة، وعدم ترك الامور تفلت من عقالها.
ومافعلته الحكومة العراقية صباح هذا اليوم الثلاثاء، حينما قررت اللجوء الى خيار (اخر الدواء الكي) ، مع ما يمكن ان يترتب عليه من تبعات سلبية كان لابد منه، وربما يكون ضروريا اللجوء اليه في اماكن اخرى اذا تطلب الامر.
٢٣-ابريل-٢٠١٣