فمنذ انطلاق التظاهرات في عدة محافظات غربية وشمالية غربية، كانت الكثير من الصعد في أوساط تلك التظاهرات مرتهنة - إن لم نقل بالكامل - فبجلها مرتهنة الى الكثير من قيادات وأمراء تنظيم القاعدة الإرهابي. حيث كان لعناصر ذلك التنظيم الاجرامي تأثير كبير على التنسيقيات التي كانت تقود وتنظم شؤون تلك التظاهرات، فضلا عن قدرتهم في تهديد أية رئاسة عشائرية كانت ام سياسية دون خوف او وجل كونهم يعتمدون سياسية كاتم الصوت كلغة للحوار..
كما كانت - حتى قبل حادثة إستشهاد الجنود الخمسة بالأمس - اليد الطولى في الكثير من المواقف والآراء التي كانت تعلو من منابر ومنصات الخطابة - طيلة الأشهر الماضية - مستندة ومرتكزة بشطرها الأكبر الى متبنيات تنظيم القاعدة الإرهابية واذرعه في تلك المحافظات (كمجموعة ما يسمى بدولة العراق اللاإسلامية والنقشبندية والجماعات السلفية التكفيرية وغيرهم).. وطبيعي ان متبنيات عصابة القاعدة والسائرين في ركبها هي متبنيات دموية تكفيرية عمادها القتل والذبح وإلغاء الآخر والتنكيل به حتى ولو كان سنياً يرتضي العيش في إطار من السلم الأهلي الوطني و مهادن ومتعايش مع العملية السياسية والحكومة ومع إخوانه الشيعة.
وبعد تصريح متولي التظاهرات بحرقهم لقائمة مطالبهم والتي هي بمثابة (كسر عظم) متعمد من قبل قيادات عصابة القاعدة من اجل توريط المتظاهرين بالتصادم مع الجيش والشرطة والسلطة.. فإن ميزان المعادلة بدأ بالميلان لكفة الحكومة بشكل واضح.. حيث كشر عن انيابه من يريد ان يكشر في هذا المقطع من عمر التظاهرات..
وبغض النظر عما ستؤول اليه آراء القيادات السياسية والعسكرية وما ستترجمه من خطوات او إجراءات عسكرية ربما تقضي بضرورة إعادة الهيبة الى الدولة والى مؤسساتها العسكرية.. ورغم عدم وضوح ماهية الخطوات التي سوف تتخذ إزاء المجرمين المتحصنين في أوساط التظاهرات في الانبار والتي يمكن ان تكون شبيهة بتلك التي إتخذت في الحويجة.. إلا أنه ورغم كل ذلك.. فالمسار السلمي والدبلوماسي بدأ بالتصاعد وسط العقلاء وفي العديد من الأوساط السياسية والعشائرية.. سواء في الانبار أو الموصل وديالى وسامراء وغيرها من مناطق التظاهر.. فمعظم تلك القيادات السياسية والعشائرية أدركت حجم الكارثة التي تريد عصابات القاعدة جر البلاد اليها... كما ادركت حجم الإستهتار بإرواح العراقيين حتى ولو كانوا من مدن التظاهر ذاتها.. الامر الذي حمل تلك الأوساط العشائرية والسياسية الى ان تكون مسارعة الى الرفض وبشدة أية محاولة لإعادة الأمور الى مربعها الطائفي التكفيري الدموي الذي مرت به البلاد قبل أعوام قليلة، مجددة الدعوة لإعادة الحياة الى مجاميع الصحوات وبقوة..
من هنا فإن أصوات العقلاء ترى ضرورة تغليب فرص الحوار وخفض لهجة التصعيد، مؤكدين ان لا مناص من اللجوء الى التهدئة بغية تفكيك الازمة وقطع الطريق امام تجدد العنف تارة أخرى.
وتعزيزاً لتلك الرؤى المعتدلة والعقلائية.. كان صوت المرجعية الدينية سباقاً واضحا في هذا الجانب.. حيث قضى بضرورة تغليب لغة العقل.. لاسيما في فتاواه الأخيرة التي قضت بتحريم سفك أية قطرة دم عراقية سواء من المتظاهرين السلميين او من عناصر الجيش والشرطة.
وأكدت المرجعية وتؤكد كل حين على ضرورة ان يقوم العقلاء من السياسيين والقيادات العشائرية بدور فاعل في حماية البلاد ومنعه من الانزلاق الى أتون الحرب الطائفية من جديد.
أولو الحل والعقد في الأوساط السياسية والعشائرية في محافظات التظاهر من جانبهم شددوا على حتمية بقاء السلاح بيد قوات الامن فقط، معتبرين ان أي سلاح خارج نطاق الدولة يعتبر خروجا عن القانون، وهو امر يجب ان لا يكون فيه أي تسامح مطلقا.
وفي ذات الوقت يؤكد هؤلاء ان الضروري على قوى الامن ان تميز بدقة بين من يحمل السلاح في مواجهة الحكومة، وبين من يمارس حقه الدستوري عبر التظاهرات السلمية، داعين الى تلبية مطالب المتظاهرين المشروعة وفق جدول زمني. المراقبون من جانبهم يرون ان محاربة الإرهاب لا تكون إلا عبر تعزيز الشعور الوطني، وعبر السعي الجاد لتحسين القطاعات الاقتصادية والخدمية وليس بالردع الأمني وحده، مؤملين وسط هذا الجو المتوتر، أن يفلح المعتدلون داخل الأوساط السياسية والعشائرية في الوصول الى حلول سلمية سريعا من اجل تطويق الازمة، وعدم اتاحة المجال للإرهاب كي يقود الأمور الى منزلق الحرب الطائفية من جديد لا سمح الله.