هذه هي الصورة العامة لما خلفته الامطار والغزيرة والسيول الجارفة التي اجتاحت محافظات ميسان وواسط والديوانية وذي قار في جنوب العراق خلال الايام القلائل الماضية.
لاتوجد احصائيات دقيقة حتى الان لحجم الخسائر المادية والبشرية التي خلفتها كارثة الفيضانات الاخيرة، لكن الارقام التي يتداولها بعض المسؤولين في الحكومات المحلية والحكومة الاتحادية تتحدث عن اختفاء اكثر من عشرين قرية، ووفاة خمسين شخصا، ونزوح اكثر من عشرين الف شخص من منازلهم التي غمرتها المياه اما الى المخيمات التي اقامتها لهم جهات حكومية في مناطق بعيدة عن دائرة خطر الفيضانات او الى اقارب لهم في مدن اخرى، ونفوق اكثر من ٥٠٠ رأس ماشية، وضياع الف طن من الحبوب.
ويؤكد وزير التجارة العراقي خير الله حسن بابكر إن العراق سيفقد ما بين ٢٥-٣٠% من محصول القمح هذا العام بسبب الفيضانات جراء هطول ألامطار الغزيرة.
حيث ان الإنتاج المحلي من القمح لايغطي سوى جزء من احتياجات البلاد ويتم استيراد الباقي من دول عديدة من بينها الولايات المتحدة الاميركية وكندا ودولا اسيوية، علما ان استهلاك العراق من القمح يصل الى ٤.٥ مليون طن سنوياً، وينتج منها محليا مليون ونصف المليون طن فقط.
ويقدر الوزير خير الله خسائر القطاع الزراعي نتيجة الفيضانات بأكثر من مائتي مليون دولار. في حين تذهب مصادر في وزارة الزراعة الى ان خسائر الفلاحين الذين اجتاحت المياه اراضيهم الزراعية تصل الى اربعين مليون دولار.
وفي الوقت الذي اعلن مجلس الوزراء العراقي تخصيص ٣٠٠ مليون دينار عراقي لتوفير المساعدات الغذائية والطبية اللازمة للمتضررين في محافظات ميسان وواسط والديوانية وذي قار، اكدت مصادر رسمية عن منح كل عائلة متضررة مبلغ اربعة ملايين دينار عراقي.
وبحسب مايؤكد معنيين ومتخصصين ان العراق لم يشهد طيلة ستة عقود تقريبا فيضانات مماثلة للفيضانات الاخيرة، اذ شهدت فترة الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي فيضانات بسبب هطول الامطار الغزيرة او ذوبان كميات كبيرة من الثلوج خلال فصل الربيع وبدايات فصل الصيف، الا انها لم تخلف اضرارا كتلك التي خلفتها فيضانات اليوم.
ولعل العراق عانى طيلة العقد الماضيين من انخفاض كميات المياه بسبب قلة هطول الامطار في فصلي الشتاء والربيع، وقيام تركيا تنفيذ مشاريع زراعية واروائية عديدة على نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من اراضيها الجنوبية الشرقية، ويدخل الاول-دجلة- مباشرة الى العراق، بينما يمر الثاني-الفرات-عبر سوريا قبل دخوله الاراضي العراقية.
وكانت مسألة توزيع مياه نهري دجلة والفرات احد ابرز القضايا الخلافية بين العراق وتركيا، والتي لم تجد طريقها الى الحل رغم تشكيل لجان فنية مشتركة من قبل الدول المتشاطئة(العراق وتركيا وسوريا).
ولعل اخر فيضان كبير شهده العراق كان في عام ١٩٥٤، والذي ضرب العاصمة بغداد ومساحات شاسعة من الوية(محافظات) العمارة والكوت وديالى والناصرية، وقدرت الخسائر الناتجة عنه في ذلك الحين بعشرين مليون دينار عراقي، وعدد الذين نكبوا جراءه ربع مليون شخص.
وقد عاش العراق في ذلك الوقت ظروفا استثنائية وصعبة لعدة شهور، وبادرت دول عربية واجنبية عديدة الى تقديم المساعدات العاجلة له.
وبالنسبة للفيضانات الاخيرة فأنها كانت بمثابة جرس انذار للسلطات العراقية، لكي تعيد النظر بكثير من الخطط والمشاريع والبرامج المتعلقة بشبكات الصرف الصحي في المدن، وقنوات تصريف المياه الزائدة في القرى والارياف، حتى لاتتعرض الاراضي الزراعية للاضرار، وكذلك بناء السدود وخزانات المياه الضخمة التي تتيح تخزين المياه الفائضة عن الحاجة والتحكم باليات وطرق الاستفادة منها.