والإقتصاد الرأسمالي حاله حال بقية الإقتصادات معرض لما يسمى "بدورة الحياة الإقتصادية" والتي تمر بأربعة مراحل وهي على الترتيب" رواج، إنتعاش، ركود، كساد"، وفي الحالة الأخيرة سيضطر صاحب العمل الى إتخاذ إجراءات قاسية تؤدي الى الإستغناء عن عدد غير محدد من العاملين؛ وهو ما يؤدي الى البطالة.
في العراق، عدد كبير من المعامل الإنتاجية؛ والتي كانت في وقت من الأوقات مستقطبة عدد غير قليل من العاملين فيها، وهي منتشرة في محافظات العراق بدون إستثناء؛ فمن معامل تعليب الى معامل بتروكيمياويات الى معمل حديد وصلب الى معمل ألمنيوم الى معمل لإنتاج الأجهزة الألكترونية، وهذه ال" الى" ستستمر طويلة. توقفت هذه المصانع أثناء حروب النظام البائد، وبعد فرض الحصار على العراق من قبل مجلس الأمن. وبعد سقوط النظام توسمنا خيرا بالقيادات الجديدة للبلد، ولسان حال المواطن يقول " أن هؤلاء الناس جاؤا من اجل رفع الضيم عن هذا الشعب الذي ضحى كثيرا" ومرت السنين، وها هي الحكومة الثانية تكاد ينتهي عمرها وكذا الحال بالنسبة لمجلس نواب الشعب، الذي خرج الشعب لإنتخابهم بالرغم من جميع التحديات، على أمل أن نوابنا المنتخبون سيكونون عونا للمواطن! وبدلا من ذلك مازلنا نرى المعامل والمصانع الإنتاجية متوقفة بقرار من أصحاب الشأن الى "أن يقضي الله أمرا كان مفعولا".
بلد يعتمد في موازنته السنوية على تصدير النفط" دون الغاز" ومعامل متوقفة، وبطالة في تزايد، وهذا ناتج لعدم وجود رؤية مستقبلية للأعداد المتزايدة من العاطلين عن العمل " خاصة بين خريجي الكليات والمعاهد" فلو نظرنا نظرة أولية لعدد الخريجين للعام الدراسي ٢٠٠٨ـ ٢٠٠٩ لوجدنا أن عدد الخريجين كان ٦٩٠٢٠ طالب وطالبة في عموم العراق؛ إرتفعت في العام الدراسي ٢٠٠٩ـ ٢٠١٠ الى ٧٣٩٨٨ طالبة وطالبة، الأمر الذي يعني زيادة في عدد الخريجين بمعدل ٧,٢. ماذا يعني كل هذا؟
هذا يعني عدم وجود تخطيط مدروس مابين المدخلات والمخرجات، بين ما تحتاجه الدولة فعلا من كوادر لكي يدخلوا الى العمل في دوائر الدولة وسوق العمل الحر. وبين أعداد المقبولين في الكليات " حكومية وأهلية" وكأن المصانع تدار فقط بخريجي الكليات؛ إذن من أين نأتي بالكوادر الوسطية وهم خريجوا المعاهد والمدارس المهنية. بالإمكان الأخذ بتجارب بعض الدول الأوربية حول أهمية التدريب المهني،؛ خاصة ألمانيا التي لديها خبرة طويلة في التعليم المهني وهو ما قلص نسبة البطالة فيها خلاب سنوات مضت. والكثير من الدول تعمل على سد الهوة بين التعليم والعمل من خلال إنشاء مدارس مهنية وتشجيع تلك المدارس على إقامة روباط مع الشركات العاملة داخل البلد؛ فكوريا الجنوبية أنشأت في عام ٢٠١٠ شبكة من المدارس المهنية لسد النقص في حاجتها للمهنيين مع تحمل الحكومة الكورية تكاليف الموظف المهني في التعليم والسكن، إن كوريا الجنوبية كانت بلداً محطماً بعد الحرب العالمية الثانية عندما إنتهى الإحتلال الياباني لها، وكان سكانها فقراء، ونظراً لحاجة الناس فيها الى الضروريات في ذلك الوقت مثل بناء المنازل الصغيرة المتواضعة والمواد الإستهلاكية فقد أنشئت الحكومة صناعات حرفية لإشباع هذا الطلب، وركزت حكومتها على تشجيع الصناعات الصغيرة، وأزالت كل القيود المالية والقانونية أمامها، وأصلحت الأراضي الزراعية ومشاريع البينة الأساسية، وأمتصت مشكلة البطالة، ولما فاض الإنتاج تم التصدير للجيران وتدفق المال. تدريجياً إستثمرت كوريا الجنوبية في التعليم ومع تشجيع الدولة للصناعة تمكنت العمالة الكورية من إنتاج أجهزة ألكترونية باعتها للخارج بثمن زهيد، وبمرور الزمن حققت البلاد نمواً إقتصادياً كبيراً، وأصبحت تحتل المرتبة الـ١٥ كأكبر إقتصاد في العالم، ونالت كوريا في مجال الإبداع والإبتكار المرتبة الثانية ضمن «فهرس الإبداع العالمي» المكون من ٥٠ بلد، مقارنة باليابان مثلاً التي جاءت في المرتبة السادسة وفرنسا بالمرتبة العاشرة، وأرتفع دخل الفرد في كوريا الجنوبية فأصبح مثل نظيره في اسبانيا، فبعد أن كان دخل المواطن الكوري يبلغ ١٧٦٥ دولاراً في السنة في أول الستينات، أي ٢٢٠٦٢٥٠ شهريا تقريبا، أصبح يتمتع الأن بدخل يبلغ ٣٢ الف دولار، أي حوالي ٤٠٠٠٠٠٠٠ دينار شهرياً، بزيادة ٥٨,٣ عن معدلها السابق. إننا نتمنى على السلطتين التنفيذية والتشريعية أن تدرس هذه التجربة وتطبقها في العراق، خاصة إذا ما علمنا أن البلد في من الإمكانات المادية والبشرية ما يفوق كوريا الجنوبية. وأنا أكتب قلت في نفسي " متى يكون للمواطن العراقي دخل سنوي يتباهى به مثل ما للأخرين هكذا دخول" متــــــــــــــى.