فبعد اكثر من عامين على آخر لقاء بين الرئيسين.. وبعد ان تسيّد منخفضٌ سياسيٌ هائجٌ حَفَلَ بالعديد من العواصف السياسية والازمات لفت العرصة السياسية العراقية.. ومع ما رافقها طيلة اشهر عديدة من تردي امني كبير.. جاء هذا اللقاء ليعيد بعض مياه الثقة والحراك السياسي الى جداولها المفترضة..
وبقراءة متأنية فإن حجم الخلافات التي كانت سائدة بين المركز والاقليم كانت رهناً بتعدد نتوءات الإعاقة ومساحات التقاطع داخل الفسحة السياسية بين الجانبين والتي تسيدت المشهد لفترة طويلة.. وهو امر أسهم بتغذية وتنامي حالة القطيعة السياسية بين المركز والاقليم.. ودفع باتجاه مزيد من التوتر. ولعل احرج مناطق التقاطع ما كان يتعلق منها بقانون النفط والغاز والعائدات النفطية وكذا موضوعة التداخل في الصلاحيات، فضلا عن المناطق المتنازع عليها وتنفيذ المادة ١٤٠ من الدستور الخاصة بكركوك ناهيك عن موضوعة رواتب البيشمركة.
ويؤمل المراقبون ان يكون انعقاد جلسة مجلس الوزراء في أربيل ولقاء المالكي البارزني سيدفع نحو تنشيط عمل اللجان المشكلة من الفريقين والتي انطلقت اعمالها في أوقات سابقة واتمت عدة جولات مكوكية قبل اشهر، كما وافلحت في ترطيب الأجواء وتفكيك العديد من مواطن التأزم التي كانت تعتبر مواطن إعاقة امام طاولات التفاوض المتعددة بين الطرفين.
ولاشك أيضا ان انعقاد جلسة مجلس الوزراء وبرئاسة نوري المالكي في أربيل وحجم التمثل الوزاري المرافق له اسهم بشكل كبير في كسر حاجز الجليد السياسي الكثيف الذي كان يعيق سبيل الحلحلة في منخفض الازمة، وأعاد شيئا من ثقة التعاطي السياسي من جديد بين الجانبين.
ومؤكد ان معطيات النتائج التي توصلت اليها لجان التفاوض الحكومية ما بين بغداد واربيل في الفترة المنصرمة شكلت جزءاً ممهدا ومهما لإنعقاد هذا اللقاء، كما وستفرض نتائج اجتماع أربيل استحقاقات تحمل المعنيين على حث الخطى من اجل التوصل الى سقوف جديدة مشتركة ينبغي ان تظلل الفرقاء لاسيما في امر حسم الملف النفطي.
على اية حال.. كانت جلسة مجلس الوزراء الاتحادي في أربيل منعطفا نحو انطلاقة جديدة في جدولة تحسين العلاقات ما بين المركز والاقليم.. ولعل كلمة المالكي الافتتاحية في جلسة المجلس اكدت ضرورة الالتفاف حول الاطار الوطني بنظرة تتسامى عن الحزبية والمناطقية والفئوية والطائفية، حيث دعا جميع الفرقاء على تمتين الرابط الوطني بإطاره العراقي وضمن بحبوحة الدستور الذي الذي يفترض انه يزم عمل الجميع.
ورغم وجود مخالفين في الوسط الكردي.. إلا ان بوصلة التعاطي الكردي بصورة اجمالية شددت على ضرورة إعادة الثقة مرة أخرى الى منهجية الشراكة الوطنية بالتزامن مع حتمية الالتزام بالدستور العراقي وتعزيزه فيصلا في حل جميع الإشكالات القائمة بين الإقليم والمركز.
الطرف الكردي شدد أيضا على ان الجغرافية السياسية لكردستان مازالت مؤطرة ببعدها الأكبر فهي جزء لا يتجزأ من الشعب العراقي وتدور عليهم سحابة الحقوق والواجبات في المفهوم الوطني.. نظراً لكونهم ممن أسهموا وبقوة في عملية التغيير الديمقراطي وكذا في صياغة الدستور وتأسيس العراق الجديد.
عموماً ليس من المتوقع ان تكون اللقاءات والمباحثات التي ستلي اجتماع الحكومة في أربيل بالسهلة.. بل المتوقع ان تحافظ على سخونتها وشيء من صعوبتها غير ان المؤكد انها ستكون فوق سطح جديد من التعاطي السياسي بين الجانبين يختلف عما كانت عليه الأمور قبل مصافحة المالكي لبارزاني.. كما من المؤكد ان المرحلة الجديدة من التفاوض ستكون تحت سقف التصفية الجادة وربما النهائية لموارد الخلاف.
على اية حال.. لقاء أربيل دون ريب تمخض عن البدء بمرحلة جديدة تنوء بإستحقاقات ثقيلة لتنفيس الازمة ما يضع الطرفين امام مسؤوليات تحتم عليهم التعاطي بجد وتشكيل لجان متخصصة تسعى للتوصل الى سطح من التوافقات والترتيبات إنتهاءا بتنجيز الحلول المرجوة التي يفترض ان تمهد لإغلاق الملفات العالقة بشكل نهائي، وان يصار الى ترسيخ حلول طويلة الأمد مستندة على الدستور لطي صفحة الأزمة نهائيا .