واذا كانت مرحلة حكم حزب البعث (١٩٦٨-٢٠٠٣) مثلت اسوأ المراحل التي مرت بها الصحافة العراقية، والكيان الاعلامي العراقي برمته، حيث الكبت والتضييق والتهميش والتغييب والتوظيف السيء الى ابعد الحدود للاعلام من قبل السلطة الديكتاتورية الحاكمة، فأن مرحلة الاعوام العشرة الماضية التي اعقبت الاطاحة بذلك النظام، مثلت بالنسبة للاعلام العراقي نقطة تحول، وانعطافة حقيقية، وعهد جديد، بيد انها –من الناحية الموضوعية-شهدت هي الاخرى مظاهر وممارسات بعيدة عن جوهر العمل الاعلامي السليم والرسالة الاعلامية المطلوبة.
ولعل الانتقال من الديكتاتورية والتسلط والاستبداد الى الحرية والديمقراطية والانفتاح، هيأ مناخات وارضيات مناسبة وملائمة الى حد كبير لولادة اعلام حر يضطلع بأدوار ومهام حقيقية، لاتتمثل بخدمة السلطة السياسية والترويج لها بطريقة رخيصة وبائسة كما كان عليه الحال في المرحلة السابقة، وانما انطلاقا من كونه يمثل سلطة رابعة لاتقل اهمية ومحورية عن السلطات الثلاث(التنفيذية والتشريعية والقضائية).
وهذه الادوار والمهام الحقيقية تتمثل بتفعيل وتعزيز المشروع السياسي الديمقراطي الجديد في البلاد، وتنمية الثقافة والوعي بعناوينهما المتنوعة للمجتمع العراقي الذي عانى من التعتيم والعزلة والانغلاق طيلة عقود من الزمن، وترسيخ مباديء التعايش السلمي، والوئام الاجتماعي والسياسي، والمواطنة الصالحة والصحيحة، والتسامح، وغيرها من القيم والمباديء الاصيلة للمجتمع، والتعبير عن هموم وتطلعات وطموحات الناس، لا الترويج للسلطة وتلميع صورتها والتغطية على اخطائها وسلبياتها، اما خوفا من عقاب، او طمعا بثواب!.
وبلا شك ان هذه ادوار ومهام حساسة ومهمة للغاية، من اجل بناء مجتمع سليم وعلى اسس ومرتكزات سليمة هي الاخرى.
وخلال الاعوام العشرة الماضية كان للاعلام العراقي-المرئي والمسموع والمقروء والالكتروني-حضورا فاعلا ومؤثرا في مجمل الوقائع والاحداث، والتضحيات التي قدمها كافية للتدليل على ذلك، حيث سقط اكثر من ٣٧٠ من العاملين في حقل الاعلام شهداء، وهم يؤدون مهامهم المقدسة في نقل الحقائق، ومواجهة الارهاب الدموي، الذي اجتاح البلاد مع بزوغ فجر الديمقراطية والحرية.
ان العراق الديمقراطي الجديد، هيأ الظروف الصحية المناسبة بمستوى معقول ومقبول للاعلام العراقي لكي يبرز هويته، ويسجل حضوره، ويغدو رقما مؤثرا وفاعلا في مسيرة التحول والانتقال من عهد مظلم الى عهد مشرق، في ذات الوقت فأن مهام وادوار الاعلام في بناء العراق الجديد وتعزيز وترسيخ تجربته الديمقراطية، ينبغي ان لا تتوقف عند نقطة معينة، ولا تنتهي في مرحلة ما، بل لابد من ان تترسخ وتتكرس اكثر فأكثر ، كما ونوعا.
فالديمقراطية بدون اعلام حر وشفاف وموضوعي وصادق مع ذاته ومع المتلقي، لايمكن لها ان تنمو وتترسخ، مثلما ان الاعلام الحر، لايمكن ان تكتب له الحياة الا بتوفر الاجواء والمناخات الديمقراطية السليمة.
ولاشك ان عشرة اعوام غير كافية للحكم على تجربة الاعلام العراقي بعناوينه وتوجهاته المختلفة، فالاعلام حاله حال المجالات والميادين الاخرى، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية والثقافية، مازال يواجه تحديات ومصاعب، ويعيش تفاعلات ومخاضات لم تتبلور معطياتها وافاقها بالكامل.