المقدمة:
قرار أممي بدأ في أب من عام ١٩٩٠ برقم ٦٦١ وانتهى في حزيران من عام ٢٠١٣ برقم ٢١٠٨, وضع العراق وعلى مدار أكثر من عقدين من الزمن في قيمومة الأمم المتحدة بعد أن وضع البلاد تحت طائلة الفصل السابع والقاضي بجعل العراق من أموال وثروات ووجود دولي وسياسي في خانة القصور السياسي جراء السياسات المنفلتة والإستراتيجيات الغاطسة في حوض البارود والبندقية من عسكرة للشعب والإدمان على الحروب والتي أصبحت السمة والعلامة الفارقة لدى النظام العراقي السابق في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين والتي أفضت الى غزو الجارة الكويت وإدخال العراق في مستنقع العقوبات ومطرقة الالتزامات الدولية.
امتلاك العراق لتأشيرة الخروج من الفصل السابع يعني إسدال الستار على اكبر المخلفات السياسية التي تركها النظام السياسي السابق ما قبل ٢٠٠٣ في كاهل الخارطة السياسية العراقية, وهي في الوقت ذاته تؤشر لاختبار حقيقي للحكومة العراقية في تحمل مسؤولية أدارة مقاليد القرار العراقي والكيفية في تخريج ما تحقق وفق برامج حكومية تستطيع إسقاط ما جرى على ارض الواقع أرقام ومعادلات ينتفع منها الوطن والمواطن.
تلك المستجدات في المشهد السياسي العراقي تفرض جملة من الاستفهامات ويمكن إيجازها بالنقاط التالية:
١. ما هي البرامج التي تحملها الحكومة العراقية في التعامل مع عراق خال من الفصل السابع.
٢. أيهما أكثر حفظا وأمنا للأموال العراقية , طوق الفصل السابع ام ما بعد انتهاء ذلك الفصل.
٣. ماهي الآثار المترتبة على العراق بعد خروجه من طائلة العقوبات والالتزامات الدولية.
٤. إقرار الأمم المتحدة بترحيل العراق من الفصل السابع إلى الفصل السادس , التزام بالمواثيق أم تتعدى ابعد من ذلك؟؟
٥. أين المواطن العراقي من تلك المعطيات ؟؟
رؤى وتوجهات
١. رئيس الوزراء نوري المالكي في بيان صدر عقب لقائه بالجالية العراقية في روسيا، يقول “إن القرار الأممي الأخير بشان خروج العراق من الفصل السابع نقلة نوعية في عملية البناء والإعمار”. مشيرا إلى أن العراق دفع ثمنا باهضا من خلال فرض عقوبات قاسية وحروب مدمرة من جراء سياسات النظام السابق وغزوه للكويت“.
٢. رئيس التحالف الوطني العراقي إبراهيم الجعفريّ، يقول “ان خروج العراق من طائلة الفصل السابع يُعَدُّ إنجازاً وطنياً لا يقف عند حدود أيّة قوى، أو جبهة، أو قائمة، إنما يخصُّ العراقيين كافة”، مشدداً على وجوب ان تشهد هذه العملية انعطافه جديدة تنعكس على سياسة العراق الخارجية والداخلية .
٣. وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، بين,إن اليوم هو يوم تاريخي، ويجب على كل العراقيين الاحتفال به، لأنه يوم استكمال السيادة الكاملة للعراق والتحرر من نظام العقوبات والعزلة.
٤. النائب عن كتلة المواطن فرات الشرع , صرح, ان العراق يستحق الخروج من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة نتيجة تعامله الشفاف مع الدول، مشيرا إلى أنها خطوة بدأها السيد عبد العزيز الحكيم ,مؤكدا إن “عزيز العراق كان صاحب الخطوة الأولى التي أرست القاعدة لتكملة ما بعدها“..
٥. بيان كويتي رسمي، بين ان تحويل هذه الولاية من الفصل السابع الى الفصل السادس جاء ثمرة للتطوز
الايجابي للعلاقات بين دولة الكويت وجمهورية العراق والزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين وما تمخض عن هذه الزيارات من توقيع اتفاقيات هامة للطرفين والتوصل إلى تفاهمات بشأن بعض المسائل الثنائية والالتزامات الدولية.
٦. ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جورج بوتسن يرى ان “هناك تعاونا كبيرا جرى بين العراق والكويت مؤخرا وهذا التعاون اضفى شيئا من الارتياح لدى اعضاء مجلس الامن الدولي الامر الذي حتم عليهم اخراج العراق من الفصل السابع بالاضافة الى التزام العراق بدفع كل ما ترتب عليه جراء الوصاية الدولية”وزير الخارجية الامريكي جون كيري في بيان صحفي يؤكد “ان الولايات المتحدة تهنئ العراق والكويت على نجاحهما في حل القضايا الثنائية والدولية الرئيسية خلال العام الماضي الأمر الذي ساعد في تبني مجلس الأمن الدولي اليوم قراره بإخراج العراق من الفصل السابع.”
٧. وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ أكد ”ان قرار خروج العراق من طائلة البند السابع يمثل منعطفاً حقيقياً في عودة العراق الى مكانه الطبيعي بين المجتمع الدولي,موضحا بالقول, ان المملكة المتحدة كانت حريصة على دعم هذا القرار بشكل كبير وعملنا بشكل وثيق مع الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن لضمان صدوره.
٨. مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبد اللهيان, اوضح ,إن اخراج العراق من طائلة البند السابع من شأنه التأثير بشكل إيجابي على الوضع السياسي في العراق، مضيفا بأن القرار دليل على تصرف الحكومة العراقية بعقلانية تجاه جيرانها الإقليميين.
البند السابع .. نهاية الفصل أم بداية لفصل اخر
بداية خروج العراق من الفصل السابع وانتهاء مفعول العقوبات الدولية المفروضة عليه هو عودة سيادة مفقوده لأكثر من عقدين من الزمن وبطاقة ميلاد جديدة تؤشر إلى بلوغ العراق سن الرشد السياسي في تدوير وإدارة مصالحه ومقبولية قراراته, بعد ان بات على مدار ثلاثة وعشرين عاما مكبلا بحزمة من العقوبات والتزامات جراء غزو صدام حسين الى دولة الكويت عام ١٩٩١, تضمنت تلك العقوبات جملة من التعويضات المادية ألزمت العراق بتعويض الكويت ٥٣ مليار دولار , قد تم تسديد ٤٢ مليار دولار, وبقي منها ١١ مليار, وحقيقة إن الفصل السابع هو أقسى الفصول في ميثاق الأمم المتحدة الذي اقر في عام ١٩٤٥ , وهنا لابد من المرور على تلك البنود وفيما يتعلق بالفصل السابع.
ماهو البند السابع؟
يتكون ميثاق الأمم المتحدة من ١١١ مادّة تنتظم في ١٩ فصلاً وتعتبر الفصول الثلاثة ٥، ٦ ، ٧ هي أهم الفصول وأخصّها هو الفصل السابع … وفي هذا البند الأخير يتحدث عن مجلس الأمن واختصاصاته، ويضم ٣٩ ـ ٥١ مادة من الميثاق ـ وهذا البند ـ أي السابع يحمل عنوان «فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقع العدوان» ـ علماً أن أهمية هذه المواد تنبع من أنها تتضمن صفة القسرية في تطبيقها على الدول المخاطبة.
خصائص البند السابع
لابدّ أن نشير إلى المواد المهمّة في البند السابع وهي ٣٩ ، ٤١ ، ٤٢، وفحواها هي:
المادة ٣٩ : هي مرحلة إصدار القرار من مجلس الأمن الدولي، فهي تقرر فيما كان قد وقع تهديداً للسلم أو الإخلال به، أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان.
المادة ٤١: في هذه المادة يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة والتي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته ـ فقط إصدار العقوبات كأن قطع الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية وغيرها، وقفاً جزئياً أو كلياً.
المادة ٤٢: في حال أن المادة ٤١ لا تفي بردع من أخلّ بالسلم أو حاول العدوان على دولة أخرى، ففي هذه المادة جاز لمجلس الأمن أن يتخذ التدابير بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال الحصار والعمليات الجوية والبحرية.
مضامين العقوبات التي فرضت على العراق
١. السماح باستخدام القوة العسكرية لاخراج العراق من الكويت.
٢. السماح بأستخدام القوة العسكرية عند بروز اي تهديد للعراق على السلام والامن الدوليين
٣. أيقاف ارتباطات العراق مع العالم الخارجي في الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا .
٤. قطع العلاقات الدبلوماسية مع العراق.
٥. الفصل السابع حرم العراق من سيادته على خيراته وصادراته النفطية حيث اصبحت تحت تصرف الامم المتحدة في قرار ( النفط مقابل الغذاء).
٦. الفصل السابع أدى الى ان تقطع جزء من موارد العراق لصالح تعويضات الدول المتضررة من غزو صدام للكويت.
أذن مضامين الفصل السابع وكما أوضحنا قد عزلت العراق سياسيا واقتصاديا, ومن خلال ذلك يمكن القول إن تلك العقوبات قد جعلت من العراق بلدا غير كامل الأهلية في إدارة موارده فضلا عن تكبيل كبرى المشاريع ذات الدخل الوطني الكبير وجعلها في مرمى التزامات العراق تجاه الأسرة الدولية ومجلس الأمن, عبر أكثر من ٧٣ قرار امميا انطوى تحت الفصل السابع, بدءا من عام ١٩٩٠ وانتهاءا في عام ٢٠١٣,
إن تلك القرارات قد تباينت في وقعها وتأثيرها على الدولة العراقية فيما يعتبر القرارين الاممين (٩٨٦) لعام ١٩٩٥ (النفط مقابل الغذاء) و(٦٨٧) لعام ١٩٩٦(إنشاء صندوق الأمم المتحدة للتعويضات), يعتبران من القرارات المفصلية الهامة جدا التي أسهمت في إثقال كاهل العراق بالمزيد من التعويضات والالتزامات, فقد أعطت تلك التشريعات الحق لامين عام الأمم المتحدة التصرف بموارد حساب النفط العراقي المصدر واستقطاع ما لايقل عن ٣٠% من كل برميل نفط عراقي مصدر , إضافة إلى تحديد مبلغ التعويضات لدولة الكويت ما يقارب ٥٣ مليار دولار, ومن ثم لحق ذلك قرار أممي رقم (١٤٨٣) لعام ٢٠٠٣ والذي أفضى بتخفيض نسب الاستقطاع إلى ٥% من عائدات النفط , وإنشاء صندوق تنمية العراق( DFI) والذي هو عبارة عن حساب مصرفي لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ليتم تحول بقايا مبالغ مذكرة التفاهم وبقية الأرصدة الأخرى المجمدة إليه, ومن الجدير بالذكر إن تلك الإجراءات الأخيرة قد نقلت عوائد النفط من المصرف الفرنسي إلى المصرف الأمريكي, مع انتقال وضع اليد من الأمين العام للأمم المتحدة إلى المجلس الدولي للرقابة والإشراف (IAMB) وبالتالي فان حماية أموال العراق من دعاوي الدائنين القضائية ممن لم تصل إلى تسوية مديونيتهم مع العراق بموجب اتفاق باريس لا يمكن لهم إجراء الحجز القضائي على تلك الأموال .
مابعد الفصل السابع
انتقال العراق من الفصل السابع إلى الفصل السادس والمتكون من ست مواد من المادة (٣٣) إلى المادة(٣٨) والتي تفضي إلى اعتماد مجلس الأمن الدولي طرق التفاوض والوساطة والتحقيق والتسوية القضائية , مع تغير في طبيعة النص من قرار إلى توصيات, تعد خطوة هامة ومحورية في بداية لانطلاقة جديدة للمؤسسة العراقية من دولة مكبلة السيادة إلى دولة طبيعية الشكل السياسي ذات سيادة كاملة, غير أن ذلك يضع العراق إمام جملة من التحديات التي تتطلب برامج وخطط حكومية في استقبال عراق مطلق السراح من قيد البند السابع, ويمكن نخلص الى ثلاثة استنتاجات رئيسية، هي:
١. خروج العراق من طائلة ذلك الفصل يعني رفع الحماية الأمريكية على أموال العراق وتعريتها بوجه الدعاوى والمطالبات إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن لجنة الأمم المتحدة للتعويضات ( UNCC ) وهي اللجنة المختصة بالنظر مطالبات تعويض الإضرار للذين تكبدوا خسائر بسبب غزو العراق للكويت, أقرت منح مبلغ ٣٢.٢ مليار دولار لأكثر من ١.٥ مليون طلب , وهو الأمر الذي يفرض على الحكومة العراقية تحرك حقيقي لحماية الأموال العراقية من تلك المطالبات والدعاوي قبل انتهاء الحماية الأمريكية على الأموال العراقية في منتصف العام المقبل.
٢. يفرض المتغير الاممي بشأن خروج العراق من قيد الفصل السابع , على الجانب العراقي الإيفاء بالالتزامات تجاه الأسرة الدولية ومجلس الأمن الدولي فيما يتعلق بملف التعويضات و استكمال ما بقي من تلك المتعلقات, فانتقال العراق من الفصل السابع الى الفصل السادس يفرض السعي الجاد في اعتماد سياسات و حسن التزام في أخراج العراق من الفصل الأقل وطأة من الفصل السابع.
٣. لا تنفك المخاوف والهواجس من واقعيات هذا الانجاز الهام والمتمثل بخروج العراق من الفصل السابع ، فيمكن القول ان تلك المخاوف يرتبط الجزء الكبير منها بمدى مرونة الكويت في التعاطي مع الملفات التي بقيت عالقة، ومن المفترض حسمها مع العراق وفق الفصل السادس، وهناك من يذهب الى ان الكويت يمكن ان تلجأ الى اطراف خارجية، مثل الولايات المتحدة الاميركية لارغام العراق على تقديم اكبر من التنازلات اليها، لاسيما بخصوص ترسيم الحدود البرية والبحرية، ومعالجة قضية الحقول النفطية المشتركة.
اعداد : قسم الدراسات والبحوث في مؤسسة وطنيون الاعلامية