فقبل عقدين كتبت بحثاً ان الموقف الصحيح، إن لم يقترن، بموقع صحيح سيكون مجرد ثرثرة.. وكتبت ايضاً اهمية ثقافة الاستقالة، وانها مسؤولية، خلاف التهرب، فهو التنصل عن واجب تتوفر فيه شروط الايفاء، ولو بادنى الحدود.. ففي المعادلة الراهنة، واية معادلة تشابهها، سأرى نفسي مُعطَلاً ومُعطِلاً، وهو ما لا ارتضيه.
قناعتي ان مجالات العمل واسعة والحكومة ليست اهم او كل شيء. ولبناء دولة ومجتمع معاصرين، فالعراق بحاجة ايضاً لبناء رأي عام، ما زال ضعيفاً بدوره.. فهو اليوم انطباعات وردود افعال اكثر منه قضايا وحقوق فردية ومجتمعية.. وبنى وتقاليد راسخة.. وقوى حزبية تجاوزت عقل المعارضة، وارتقت لعقل الدولة ودربت خبراتها لصياغة وتنفيذ برامج الاصلاح والتقدم، وليس مجرد احزاب ترى نجاحها وفشلها في احتلال المواقع.. وإعلام مترصد للحقيقة بمسؤولية ومهنية ووجدانية لتحسيس الرأي العام، وليس ترديد الاشاعات والتسقيطات المتبادلة للخصوم السياسيين.. واتحادات حاملة لمصالح قطاعاتها، والمالكة لقابليات نقابية لصناعة الرأي للدفاع عن المهنة واعضائها.. ومؤسسات مجتمع مدني ومنظمات غير حكومية فاعلة.. ومجاميع الضغط وصناعة سياسات وبناء رؤى مستقبلية. فالعمل في هذه الجبهة -بالنسبة لي- اكثر جدوى.. دون التقليل من اهمية النشاطات الرسمية وقواها وشخصياتها ومواقعهم. فانا داعم لخط معروف وساستمر على ذلك.. واتحمل مسؤوليتي فيه ومع كل من يقترب منه كلياً او جزئياً، في السلطة او خارجها.
شرحت قراري، قبل سنوات، لكل اصحاب العلاقة.. ومنذاك اكتب افتتاحية يومية وابحاثا واشارك في اجتماعات وفعاليات ولما فيه فائدة ورقي بلادي.. ورفعة وسيادة شعبي.. ونصرة القضية التي دافعت وادافع عنها، لحماية الثوابت الدينية والوطنية.. ولترسيخ الديمقراطية واللامركزية والفيدرالية، ودستورية المؤسسات ودولة المواطن.. ومنع عودة الدكتاتورية.. والعمل على التنمية البشرية والاقتصادية.. والانفتاح على دول الجوار والعالم.. واحلال الامن والاستقرار والتعايش، بمساواة وسلام وعدل.. بدون محاصصة وطائفية وعنصرية وارهاب.
ثمن الجلوس على القمة
حافظ آل بشارة
اعلن اعضاء كتلة المواطن في مجلس النواب تخليهم عن رواتبهم التقاعدية ، استجابوا للحملة الشعبية المطالبة بالغاء تقاعد النواب ، هذا الموقف يلقي ضوءا جديدا على ملامح هذه الكتلة الصاعدة ، التي استطاعت ان تقلب المعادلة في انتخابات مجالس المحافظات وتتصدر قائمة القوى السياسية الاكثر قبولا في الشارع ، هم الآن يزهدون بمكاسبهم الشخصية وينفذون ذلك عمليا ، هذه المطامع التي كانت سببا في سقوط كثير من الساسة العراقيين في حضيض الطمع والفساد والانحراف ، هذه الليالي تذكرنا باستشهاد أمير المؤمنين (ع) الذي كان يرى الدنيا بكل مافيها عفطة عنز ، وكان يعد نعله البالي افضل من خلافة لا يقيم بها عدلا ، في العراق الآن يلاحظ ان افسد واظلم واجبن واتفه النماذج من اصحاب السلطة يدعي حب علي (ع) انسياق في عالم الافتراضات وليس الاستحقاقات ، يلبسونها اقنعة براقة فوق وجوه بشعة ، وجوه عباسية دوانيقية تحت اقنعة علوية ، ان الله لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء ، لكن يبدو ان اعضاء كتلة المواطن ارادوا برهنة تشيعهم وتبعيتهم لعلي (ع) عمليا ، فكانوا رافضة برفضهم الرواتب التقاعدية ، ارادوا انقاذ انفسهم من غضب الله ، وموجة غضب تجتاح الشارع لتعرية الفاسدين والفاشلين وجامعي الاموال ورموز الترف ، وهم يعرفون ان الترف مقرون بالكفر (انهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم) . الرواتب الضخمة للنواب اثناء دورتهم وبعد تقاعدهم كفيلة بأن تصنع طبقة من الاثرياء وتربك البنية الاجتماعية في البلد ، وكفيلة بأن تبتلع موازنة الدولة بشكل غير عقلاني ، كان المنتظر ان يبادر ممثلو الشعب جماعيا بالتخلي عن هذه الحقوق او تقليلها ولكن لم يبادر أحد ، وعدم المبادرة بهذا الاتجاه يخل بشرعية تمثيلهم للشعب لانهم لا يشعرون بمعاناته ولأنهم يرسمون لانفسهم صورة الغارقين في الطمع بما ينافي شخصية ممثل لشعب فقير ربعه تحت خط الفقر ، وفيه حوالي ٨ ملايين ارملة ويتيم ، بعض النواب ممن نعرفهم كانوا منذ البداية حالة مختلفة ونادرة فهم يوزعون رواتبهم على الفقراء والايتام والارامل واهل الحاجات بشكل منتظم ، هؤلاء ليسوا حالة عامة ، ونذكرهم اعترافا بفضلهم ، فالكريم قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بنص الحديث ، وليس من ينفق امواله في سبيل الله سرا وعلانية كمن يسرق اموال الله سرا وعلانية ويقضمها قضم الابل نبتة الربيع ، يجب اعلان الشكر لنواب كتلة المواطن على موقفهم المشرف ، فقد انحازوا الى الفقراء ، في وقت يبالغ آخرون في تعزيز الحواجز الطبقية بينهم وبين الناس والوطن وحتى الله تعالى . ولكن السؤال القائم : هل ان النواب وحدهم اصحاب رواتب فلكية تستفز الفقراء ام ان الوزراء ورؤساء الهيئات الوطنية والرئاسات كلها مشمولة بهذا ؟ المطلوب اقتداء الجميع بكتلة المواطن .