الحرائق في منطقتنا متداخلة مشتركة يدفع بها بعضنا بأتجاه الأخر , ولا يدعي احد أنه يجيد اللعب بالنار لأن لهيبها سيصيب الجميع دون استثناء وأولهم من يشعلها ومن يلعب على أوتارها , أخطر تحد تواجهه الشعوب العربية منذ مئة عام , حيث تواجه نفسها وثقافتها ووعيها , فهي تبحث عن الحرية بمفاهيمها والأستقرار الأمني والمجتمعي والأقتصادي , تبحث عن ثقافة التكامل وليس ثقافة القتل والسحل والتمثيل بجثث الضحايا ، تبحث عن طرق جديدة تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم , شعوب رضخت تحت نير الأستعمار وأستعبدت بأسم الفتح من الغرب , ومن ثم والدكتاتورية وتسلطت عليها الحكومات بأسم الحفاظ على الأمن القومي , وإن القائد لا بديل له الاّ القائد , تحكمة نخبة من العساكر والمقربين و العوائل كرسوا ثقافة الحزب الواحد والقائد الأوحد , والماسكين لمصير الامة وتاريخها وقوميتها , في الظاهر ينادون بأسم الوحدة والتاريخ المشترك والقضايا المركزية ,وفي الكواليس متأمرين على بعضهم ضمن دائرة مصالحهم على حساب شعوبهم , قبال ذلك تنامت الأفكار الداعية للتحرر من الحكام ونبذ الأفكار الدخيلة الوافدة التي سببت إنحراف الامة تحت وطأت الدكتاتور ونعته بالعمالة , ما حصلت منها الاّ المطاردة من السلطات والقمع , في وقت عمدوا بالضد الى تهديم مؤوسسات الدول واراقة دماء الشباب بمسميات الجهاد ضد الظالم الى درجة الأنتحار في بعضها ,ولم تؤوسس لدولة على ارض الواقع .
منحدر خطير تمر به المنطقة الأقليمية والعربية , وبعد تجاوز مرحلة مخاضات الربيع العربي , بعضها جاءت مشوهة والبعض الآخر منحرفة عن مساراتها الصحيحة , واليوم تعاني من تسلق التطرف والتكفير حيث تشوه منجزاتها وتصادر طاقاتها , وتفرض عليها اجتهادات منقوصة بعيدة عن الدين والعقيدة والمنطق , التي خالف مباديء ثوراتها من اجل العدالة الشاملة والمساواة التي أقض عليها مجاميع صادرتها لنفسها , أنصفت البعض وأهملت الأخرى بحجة انه كان من المرحلة السابقة او ( الفلول ) او مخالف فكرياً وعقائدياً وكلاهما مخالف ( الشرعية ) , و إستعادة الوسائل السابقة باسماء وعناوين جديدة ، تطور ما يحدث مصيرياً سيرسم ملامح خارطة المنطقة للعقود القادمة , ومن المؤسف إن التجارب الناجحة في منطقتنا اصبحت اقل من التجارب المتلكئة او الفاشلة , والنتائج تجاوزت التكامل العربي والاسلامي الأقليمي والدولي, وتصدر منابر النفاق والتكفير والأنطواء , والتصدي لقيادة الشعوب في أطار وانتماءات وطوائف فرعية لدرجة وصلت الى عقد المؤتمرات والمؤامرات العلنية وإصدار الفتوى لدرجة تحريم الزواج من المخالف وتحريم التهنئة في مناسباته .
اصبحت الحاجة ملحة الى التعاون بين الشعوب والحكام وقيادات المجتمعات على انتاج فكر جديد قادر على عبور الطوائف والقوميات والتعدديات ورحية الأديان والمعتقدات , وبناء منظومة عمل مشترك على المستوى الأقليمي والقومي والديني ، وأسترجاع روابط دول المنطقة الجغرافية و التاريخ والحضارة والثقافة والمستقبل والمصير المشتركة , وهذه حقيقة لم يدركها الكثير حيث قسمت الشعوب على اساس قومي او طائفي , فقد تختلف داخلياً او مع محيطها على قضية هنا او هناك ولكن المشتركات والمصالح أوسع , وإفشال الآخر دون النظر بعمق الى الأضرار الكبيرة تلحق بالجميع دون استثناء .
لقد آن الاوان لمغادرة لغة العناد والأستماع الى العقل كي نحفظ ما تبقى من مصير مشترك لشعوب المنطقة ، وعقد اللقاءات المشتركة التي تعيد تاريخ الشعوب وحضارتها , وتحافظ عليها من الانحراف , ومزيدا من التواصل والتآزر لما فيه الخدمة ويحقق الآمال و يعم الأمن والاستقرار في كل دولة والمنطقة بشكل عام وان نشهد .
الحياة لا تستقيم الاّ مع الصواب وتدفع الخطأ وتحارب التشوه ، والحرية وقود الشعوب نحو التقدم والاتحاد والكرامة ، بشروط مفاهيمها وقيودها التي تحقق الأهداف والطموحات , ومواجهة الثقافات المنحرفة التي مزقت الشعوب والمنطقة , في أصعب اختبار للنفس والثقافة والوعي .