الصدريون وجناحهم السياسي المتمثل في كتلة الأحرار النيابية وبعد تجربة عملية في واقع المؤسسة العراقية ولأكثر من عشر سنوات, باتوا اليوم إمام منعطفات حادة تلقي بظلالها على قوة وتماسك الجدار الداخلي للمكون الصدري وأمكانية البقاء والاستمرار برصيد سياسي وحظوظ انتخابية بعد إن باتت الانتخابات البرلمانية القادمة في حزيران ٢٠١٤ تبحث عمن يحمل ورقة الصوت الانتخابي الكبير والمؤثر.
من تلك التداعيات ينطلق التحليل السياسي "التيار الصدري بين الخلافات والاحتمالات" من اجل الوقوف على بعض النقاط الهامة التي تدخل في مفاعل القراءة المستقبلية لواقع التيار الصدري خصوصا والمشهد السياسي في العراق على وجه العموم, ولأجل الوصول إلى محددات واقعية لعناصر الإحداث وتقاطع الاتجاهات في سطور الملف الصدري , لابد من قطع الشوط التحليلي عبر المرور على جملة من الأسئلة والاستفسارات :
• لماذا الاعتزال السياسي لزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر.
• ما مدى حظوظ مقبولية التيار الصدري في الأوساط الجماهيرية فيما لو كان الصدر خارج نطاقهم السياسي.
• هل سيخوض التيار الصدري الانتخابات البرلمانية القادمة , منفردا ام مؤتلفا.
• الخلافات الداخلية وانشقاق الأبناء داخل التيار الصدري. اين ستضع البيت الصدري في المشهد السياسي العراقي.
• ما هي الحظوظ الانتخابية المتوقعة للتيار الصدري في الانتخابات البرلمانية القادمة .
• عضال الأزمات بين التيار الصدري وائتلاف دولة القانون, هل سيسهم في التأثير سلبا ام ايجابا في واقع الرصيد الصدري جماهيريا وسياسيا من جهة, ومن جهة أخرى أثره بشكل عام على مجمل العملية السياسية في العراق.
الصدريون .. مطرقة الاعتزال ورغبة البقاء
التيار الصدري هو تيار عقائدي سياسي ولد من رحم مرجعية السيد محمد محمد صادق الصدر الذي اغتيل على يد المخابرات الصدامية في شباط عام ١٩٩٩ , ولعبت الإحداث السياسية والحراك الديني آنذاك دورا كبيرا في تركيبة وتكوين التيار الصدري فكرا وثقافة وتوجها , بقي التيار الصدري يسير في الظل لطبيعة الظرف العراقي إبان حكم البعث والماكنة السلطوية التي كانت تستخدم كل ما تملك من أدوات ووسائل قمع وتعذيب لتكميم الحريات ومنع ممارسة الطقوس والشعائر الدينية, وظهر التيار بشكل جلي وواضح ما بعد سقوط النظام ٢٠٠٣ , اولى بوادر الانشقاق بدأت فيه منذ عام ٢٠٠٣ , بانشقاق جماعة الفضلاء بزعامة الشيخ محمد اليعقوبي , كان للتيار موقف بالضد من العملية السياسية في الدولة العراقية الجديدة في عام ٢٠٠٣ أصدرت المحكمة الجنائية العراقية مذكرة القاء قبض بحق السيد مقتدى الصدر لاتهامه بمقتل السيد عبد المجيد الخوئي نجل المرجع الديني الشيعي ابو القاسم الخوئي, , تم تشكيل مجاميع مسلحة في أواخر ٢٠٠٣ سميت بـ" جيش المهدي", أعلن الغاية منها لحماية المراقد والأضرحة الشيعية, بدأ أولى مواجهته عام ٢٠٠٤ وسميت بمعركة النجف ضد قوات الاحتلال الأمريكي والحكومة العراقية إبان حكم رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي, دخل التيار الصدري العملية السياسية عام ٢٠٠٥, وأسهمت إحداث تفجيرات مرقدي الإمامين العسكرين في سامراء عام ٢٠٠٦ , بظهور بارز ومؤثر لنفوذ جيش المهدي أبان الفتنة الطائفية التي تعرض لها العراق بعد تلك الإحداث, وقد شهد عام ٢٠٠٦ تأسيس تنظيم "عصائب أهل الحق" بقيادة الشيخ قيس الخزعلي وهو احد ابرز القياديين في التيار الصدري, لينشق بعدها "أهل الحق " من غطاء وإمرة مقتدى الصدر على اثر رفض حركة اهل الحق الانصياع لأمر الصدر القاضي بتجميد النشاط العسكري لجيش المهدي عام ٢٠٠٧.
دخل جيش المهدي في قتال مع القوى الأمنية العراقية في عهد رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي في عام ٢٠٠٧, لتطلق الحكومة العراقية حملة عسكرية سميت بـ"صولة الفرسان" بدأت في البصرة وامتدت الى بقية المحافظات الجنوبية والوسط وصولا إلى بغداد, لتطهير تلك المحافظات من نفوذ جيش المهدي، واستمرت صولة الفرسان ثلاثة اسابيع ، واسفرت عن مقتل أكثر من ١٥٠٠ من الطرفين ، والقاء القبض على ١٢٠٠ من عناصر المليشيات,بعد بيان مقتدى الصدر الذي دعا فيه انصاره إلى إلقاء السلاح.
التيار الصدري في ميزان الانتخابات
افرزت نتائج الانتخابات البرلمانية لعام ٢٠٠٥, فوز الائتلاف العراقي الموحد بـ١٢٨ مقعدا من اصل ٢٧٥ مقعد, كانت أسهم التيار الصدري المنظوي تحت هذا الائتلاف ٣٠ مقعدا, فيما بعد, حصل التيارالصدري وعبر المسمى السياسي له المتمثل بـ كتلة الاحرار في انتخابات مجالس المحافظات لعام ٢٠٠٩ على ٤١ مقعد, وفي الانتخابات التشريعية لعام ٢٠١٠ حصل الائتلاف الوطني العراقي على ٧٠ مقعدا, كان نصيب كتلة الأحرار النيابية منها ٤٠ مقعدا, وفي انتخابات مجالس المحافظات ٢٠١٣ حصد التيار الصدري ٥٨ مقعدا في اثنتي عشرة محافظة.
الرصيد الجماهيري
من الواضح للعيان ان التيار الصدري يمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة, تنتشر في اغلب المحافظات العراقية, تتصف بالسحنة العاطفية والسمة الانفعالية, يتميز الجمهور الصدري بغالبية كبرى من الطبقات الثقافية البسيطة , دخلت الخلافات الداخلية في كينونة البيت الصدري فأخذت منه الكثير وقظمت أجزاء منه, وتسببت تلك الخلافات والانشقاقات في أزمات واقتتال بين أبناء البيت الواحد, وخصوصا ما يدور الان في الساحة العراقية من تصعيد في اللهجة والخطاب والتقاتل بين التيار الصدري وحركة عصائب أهل الحق تجاه بعضهما البعض, مما اثر سلبا في المجموع الجماهيري للقاعدة الصدرية , يضاف الى ذلك ان التيار الصدري غالبا ما يميل إلى التغريد خارج السرب, ولذلك كانت مواقفه تنتقل من اقصى اليمين إلى اقصى اليسار, وأسهمت الصراعات السياسية والخلافات المستمرة بين الصدريين وائتلاف دولة القانون وخصوصا حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي في تحريك المياه باتجاهات شتى, والتي امتازت طيلة أكثر من ثمان سنوات بكونها علاقة معلولة لم تبصر عافية في جوانبها السياسية.
كل تلك المعطيات من صراع سياسي واختلاف في الداخل الصدري، وكما أوضحنا أنفا التركيبة الجماهيرية لأنصار الخط الصدري تتميز بطابعها العام بمستويات بسيطة في عمقها الثقافي والسياسي, إضافة إلى اختراق التيار الصدري من قبل بعض الدخلاء الذين لبسوا رداء الخط الصدري, دفعت السيد مقتدى الصدر مؤخرا الى اعلان اعتزاله العمل السياسي, بعدما وجد ان الكثير من أتباع التيار الصدري يتصرفون ويتحركون بطريقة تسيء الى التيار والى اسرة ال الصدر, في حين أن الزعامة الصدرية قد وضعت الكثير من الفلاتر وعلى مدى أكثر من خمس سنوات لإعادة ترتيب البيت الصدري وتنقيته من العناصر التي علقت به , لكنها لم تؤت أكلها.
البعد المستقبلي في المسار الصدري
الطبيعة التكوينية في أصل التركيبة الصدرية وخصوصا بنسختها السياسية ما بعد ٢٠٠٣ , ارتكزت على الأسلوب الهجومي والتأرجح مابين الثبات وعدم الثبات في الكثير من القضايا المفصلية والهامة, فدائما ما نجد أن أصدقاء التيار بالأمس هم أعداء اليوم وأعداء الأمس ربما قد يصبحون في سجل أصحاب اليوم , وهذا ما يؤشر إلى عدم وضوح في الرؤية الإجمالية لدى المنظار الصدري, وهو ما يدفع بأكثر من قراءة واحتمال في بوصلة الاتجاه للقافلة الصدرية, فالصدريون الذين ابتدأوا مشوارهم السياسي في ٢٠٠٣ بالضد من العملية السياسية بل تعدى ذلك ووصل إلى إعلان الحرب على الحكومة العراقية والقصاص من كل من يدخل في تركيبتها أو يتناغم مع مفرداتها, باتوا اليوم وتد سياسي كثير الأهمية في البناء السياسي العراقي, وجزء مؤثر ومهم في المعادلة الحكومية, بعد اجتيازعشر سنوات سياسية برصيد انتخابي ثقيل الوزن, منحدر من خمس ممارسات انتخابية بدءا من الانتخابات النيابية ومعها انتخابات مجالس المحافظات في بداية عام ٢٠٠٥ وفي نهايته, مرورا بانتخابات مجالس المحافظات ٢٠٠٩, والانتخابات التشريعية لعام ٢٠١٠, وانتهاءا بانتخابات مجالس محافظات ٢٠١٣.
رؤية عامة
ما يمكن ان نصل اليه من خلال هذه القراءة التحليلية جملة من النقاط، من بينها:
• ان قواعد اللعبة تختلف مابين مرحلة وأخرى ووفقا لما تقتضيه الظرفية المرحلية والطابع السياسي, فالتيار الصدري اليوم يحزم الأمتعة باتجاه الانتخابات البرلمانية القادمة, غير أن الانطلاقة هذه المرة ربما ستختلف عن سابقتها , فالتيار الصدري اليوم أمام تحديات جديدة في تفاعلاتها, وهو مايتجلى في الاهتزاز الداخلي في البيت الصدري والتي كانت سببا رئيسا في اعلان السيد الصدر اعتزاله العمل السياسي وللمرة الثانية، حيث كان الاعلان الاول في عام ٢٠٠٦، وعلى الرغم إن جميع الاحتمالات تشير أنها استقالة مؤقتة ستنتهي في المستقبل القريب, وان الغرض منها كان يصب في إزاحة الأنظار عن الخلافات في الداخل الصدري وتوجيها نحو الاستقالة من جهة, ومن جهة أخرى الرمي بورقة الاعتزال السياسي كصعقة إنعاش إلى الكثير من إتباعه لكي يعودوا إلى جادة الامتثال والطاعة والولاء.
• الجانب الأخر, في البعد المرحلي للملف الصدري , إن التيار الصدري يحاول أن يقطع الطريق أمام ولاية ثالثة لرئيس الوزراء نوري المالكي , وهو ما يفتح باب الاحتمالات لتحالف صدري مع قوى وكيانات سياسية تشترك في نفس الهدف, غير انه يمكن القول ان اقرب الكيانات والقوى السياسية التي من الممكن ان تكون الشريك الانتخابي له في انتخابات ٢٠١٤, هو المجلس الأعلى , وربما ان انتخابات مجالس محافظات نيسان قد وثقت وعززت فرص ذلك الائتلاف المحتمل, بعد ان نجحت كتلة المواطن وكتلة الأحرار في الكثير من المحافظات العراقية من التوصل الى تفاهمات وتوافقات مهمة، والتي كانت بعنوانها العام راكزة المساند, متقاربة الاتجاه.
• التيار الصدري وكما أوضحنا مسبقا , انه في إطاره العام الكترون غير مستقر , دائما ما يكون هلامي الشكل في الكثير من المقاطع الزمنية , وعليه فأن مسارات الحركة لدية تبقي الابواب مفتوحة لعدة احتمالات وخيارات، ربما من الصعب التكهن بالبعض منها.