أسهمت الحظوظ الانتخابية وطبيعة التفاعلات السياسية في العراق بظهور وتشكل التحالف الوطني , وهو من المسلمات الرئيسة في أصل التكوين, فالتحالف الوطني ولد من رحم أزمة نتائج الانتخابات البرلمانية لعام ٢٠١٠, بعد ان حصلت القائمة العراقية بزعامة أياد علاوي على ٩١ مقعد , فيما حصل ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على ٨٩ مقعد, وهما القاتمتان الفائزتان الأكبر في الانتخابات التشريعية , مما جر في تداعياته ازمة سياسية خانقة تمحورت حول تفسير قرار المحكمة الاتحادية والقاضي في ان اي الفريقين له الحق في امتلاك جواز تشكيل الحكومة , الكتلة الفائزة في الانتخابات البرلمانية , ام الكتلة البرلمانية الأكبر المتشكلة تحت قبة البرلمان,حتى قالت المحكمة الاتحادية قولها الفصل وأعطت تأشيرة الكابينة الوزارية للأخيرة,مما فرض ذلك على القوى السياسية الشيعية في العراق التحرك نحو تحالف ائتلافي قادر على إثقال الطاولة الانتخابية بالأرقام , لغرض سحب التخويل الانتخابي من القائمة العراقية , فتشكل على اثر ذلك التحالف الوطني والمتكون من الائتلاف الوطني العراقي الذي تأسس عام ٢٠٠٩ , صاحب الـ ٧٠ مقعدا , والذي يضم كلا من المجلس الأعلى والتيار الصدري ومنظمة بدر وتيار الإصلاح والمؤتمر الوطني العراقي وحزب الدعوة تنظيم الداخل وبعض الكتل الصغيرة الأخرى, مع ائتلاف دولة القانون صاحب الـ٨٩ مقعدا , والذي يضم في غالبيته حزب الدعوة-المقر العام وحزب الدعوة تنظيم العراق, فضلا عن بعض القوى الصغيرة , وبذلك أصبح التحالف الوطني هو الكتلة البرلمانية الأكبر في المجلس التشريعي برصيد بــ١٥٩ مقعدا, غير إن ذلك التحالف بقي في مستنقعات الاختلاف والانقسام بعد ذلك , وكما قلنا أنفا إن الازمات الداخلية منها أو الخارجية قد حركت الكثير من السواكن فيه, وفي الوقت ذاته أسكنت أكثر من متحرك له, اذ يمكن القول ا أن التقاطعات وقطع الأوصال بات ورقة مشهورة وسائدة بين الغرماء السياسيين في التحالف الوطني , فإذا ما نظرنا الى واقع التحالف الوطني كحراك كتلوي وحزبي لوجدنا ان الأزمات الداخلية أبرز ما يميز تلك الأواصر في مدارات التحالف على الرغم من اختلاف المسميات فيها , فتارة نجد ان الانسدادت في الأفق السياسي يكون بعنوان الخلاف بين ائتلاف دولة القانون والمجلس الأعلى , وتارة أخرى الاختلاف يكون بعنوان التيار الصدري ودولة القانون , وتارة ينبعث الخلاف من داخل المكونات الفرعية التي شكلت ذلك التحالف, في حين إن تلك الاختلافات باتت واضحة الإعراب الواقعي ويمكن تأشيرها في أكثر من موضع ومكان, وربما انتخابات مجالس المحافظات٢٠١٣ , قد أعلنت عن ما هو خفي من صراع وتصارع في خيمة التحالف الوطني , فالائتلافات التي تشكلت قبيل انتخابات نيسان قد أجهزت وبشكل واضح على وحدة العنوان والمضمون للتحالف الوطني, فالخارطة الهيكلية في تركيبة المكونات قد برزت تكتلات واصطفافات جديدة, فمن الملاحظ ان ائتلاف دولة القانون قد جرد الائتلاف الوطني العراقي من بعض المسميات بعد انضمامها اليه, كتيار الإصلاح الوطني , ومنظمة بدر ’ وحزب الفضيلة, فضلا عن بعض الكيانات الأخرى , وبذلك فأن الائتلاف الوطني العراقي المنحدر من الائتلاف العراقي الموحد الذي تأسس في ٢٠٠٤ , قبيل الانتخابات البرلمانية ٢٠٠٥, وهو الائتلاف الشيعي الاكبر , لم يبقى منه سوى المجلس الأعلى والتيار الصدري وبعض الكيانات الصغيرة كحزب الدعوة تنظيم الداخل.
التحالف الوطني ..المتبقي و المظاف
بات من الواضح للعيان ومما لا يقبل الشك إن خيمة التحالف الوطني أصبحت لاتتسع للكثير من أبناءها, وربما إذا ما التفتنا قليلا إلى الوراء ونظرنا في أسباب ومسببات تشكل ذلك التحالف, لوجدنا إن معادلة الأرقام والسعي للوصول إلى السلطة , هو الدافع والمحرك لهذه الصفقة السياسية , دون الوقوف والتوقف في صلاحية الأخر , مما حدى بالتحالف الوطني ان يكون أمام الانقضام والانقسام وبشكل متكرر, فمن ابجديات التفاوض السياسي ان الكيانات السياسية تختلف فيما اذا اكثر من اختلافها في حال كانت خارج السلطة, وحقيقة ان زعامة ائتلاف دولة القانون للكرسي الحكومي من أهم المفاصل الرئيسة التي وضعت التشققات في جدران التحالف الوطني, فالطبيعة السلطوية لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد أسهمت وفي اكثر من مرة بوضع العصي في دواليب وحدة التحالف الوطني, بدءا من التفرد بالقرار وعدم الركون أو الرجوع الى مشورة الشركاء في التحالف الوطني, ناهيك عن إدارة البلاد بطريقة الأزمة ونظام ابقاء "الملفات" في الإدراج, من جانب أخر إن طبيعة الأجواء السياسية في العراق لم تلمس في إطرافها استقرار سياسي وهو ما انعكس على بقية الجوانب الأمنية والاقتصادية والاجتماعية, وبالتالي فأن إسقاطات الحكومة من سوء خدمات وانهيارات أمنية واختناقات سياسية , قد عزز الاختلافات اكبر داخل اطر وميادين التحالف الوطني , وخاصة إن الاخير يمثل الوجه السياسي للإرادة الشيعية, وبالتالي فأن فشل الحكومة المالكية-ان صح التعبير- يعني إضعاف للرصيد الشيعي بشكل عام، وعليه فأن الكثير من الأطرف الأخرى والرئيسة في مكون التحالف الوطني حاولت جاهدة ان تصل برسائل التشخيص لمكامن الخلل, في حين ان ائتلاف دولة القانون وخصوصا شخصيات حزب الدعوة, غالبا ما كانت تنتهي قراءتها بالعناوين فقط, وهو الأمر الذي دفع ببعض القوى الشيعية الواقعة في الجانب الاخر بعد تلاقيها في بعض الأهداف, الى قطع الطريق إمام ولاية حكومية ثالثة برئاسة نوري المالكي, وبالتالي فأن البيت الشيعي السياسي بات مقسما ومنقسما في التكوين, إزاء تقاطع الرؤى لمكوناته السياسية.
من تلك المؤشرات اذا ما تم حسابها رقميا على واقع الأرض نستطيع إن نشير إلى بعض النقاط الهامة فضلا عن طبيعة السيناريوهات المحتملة في المرحلة المقبلة:
• بدءا إن المشروع السياسي العراقي ما بعد ٢٠٠٣, قد اظهر تخندقات وتكتلات طائفية بلباس سياسي , ولما كان التحالف الوطني هو القطب السياسي في ظل تحديات ومشاريع إسقاط وتسقيط إقليمية ودولية وحتى داخلية منها, وهذه التحديات والمشاريع أسهمت بشكل مؤثر في توسيع قاعدة الصدع الداخلي في التحالف الوطني.
• ائتلاف دولة القانون تعامل مع التحالف الوطني كمنصة وصول الى السلطة , وبالتالي وبعدما اصبح عليه اليوم, فأنه يرى إن مكونات ما تبقى من التحالف الوطني لا تشكل اليوم رقما مهما في انهيار أو إضعاف رصيده الجماهيري وبالتالي فأنه غير ملزم بالجلوس أمامهم كشركاء في البيت والمصير.
• بات من الواضح ان خيمة التحالف الوطني لا تتسع للكثير من أبناءها, بعد اختلاف ميزان القوى في مكونات التحالف الوطني, وهذا ما قد يجعل التحالف الوطني يخوض الانتخابات البرلمانية القادمة بجناحي المجلس الأعلى والتيار الصدري بعيدا عن النصف الثاني "ائتلاف دولة القانون", وخصوصا أنهما واقعين تحت خط طول واحد, وربما ما يعزز من احتمالية ذلك التحالف التجربة القريبة التي جمعتهما معا في انتخابات مجالس المحافظات ٢٠١٣.
• ربما قد تفرز نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة سيناريوهات متشابهة لما حصل في ٢٠١٠, وعليه فأن ائتلاف دولة القانون سيحاول مجددا ابرام صفقات سياسية جديدة مع شركاء الأمس.
• تفكك التحالف الوطني وتناثر مكوناته, هو في الواقع ضعف واضعاف للمكون الشيعي بشكل عام, ومن جهة أخرى فان هشاشة التحالف الوطني يدفع القوى والكيانات السياسية المؤتلفة فيه نحو مساحات اقل حركة وأكثر مجازفة.
• طبيعة التحالفات القادمة , ستتغير في بعض عناوينها الشيعية السياسية, وطبقا لما أفرزته التجارب الماضية خلال الثلاث سنوات الأخيرة , الغير قابلة للاندماج مجددا مع بقاء المبرر ذاته , وهو الوصول إلى السلطة.