عندما يمارس الشعب حقه المشروع في التظاهر السلمي وتتعامل معه السلطات بضرب المتظاهرين واعتقالهم.. فانها بممارساتها تغلق طرق التعبير والتنفيس الشرعية لتدفع بالضرورة لطرق الغضب والوسائل غير الشرعية. وعندما تصدر قرارات متسرعة غير مدروسة.. كالبطاقة التموينية، والتقاعد والاجراءات الامنية، والفردي والزوجي، لتلغى بعد ايام.. وتطبق غيرها، بدون نتائج جدية، فان ذلك سينسف الثقة برشد الدولة وسياساتها.. وعندما لا تشرح المواقف الحساسة بل تكتفى بالاعلانات والتصريحات، كما حول اتفاقية الملاحة في خور عبد الله او الموقف من الازمة السورية، وطبيعة العلاقة بدول الجوار الودية او المتخاصمة، فان الحق والباطل سيختلطان.. وينقسم الشعب على نفسه.. ليصبح التأييد والادانة ليس المعلومة الحقيقية والمصلحة الوطنية.. بل التشويشات والاصطفافات التي تختلط فيها المصالح الضيقة والطائفية والعنصرية.
فقرار السلطات بات مرتهناً يخضع باستمرار لضغوطات وتقلبات لان قراراتها غير مدروسة، ومرتجلة في معظمها.. وغير قادرة على تعبئة الجمهور وفق سياسة مبرمجة يمكن الدفاع عنها وتمثل مصالح الاغلبية الساحقة.. بالمقابل، باتت مواقف بعض قوى "الشارع" مرتهنة بعدم تقدير الواقع الحقيقي، وطبيعة دولته ومجتمعه.. وازمة العراق مع نفسه وجيرانه، مما سيبعثر الشعارات ويفقدها هدفيتها وواقعيتها وامكانيات تطبيقها، ويشجع الاتجاهات الموروثة والمريضة في الدولة وفي الاوساط الشعبية.. فتطبيق الحلول المرتجلة التي لا ترتبط ببرامج اصلاح متكاملة سيقوي استبدادية الدولة واحتكاريتها ومظاهر الفساد فيها.. وعدم الحل يؤدي الى الاحباط والانقسام وفقدان الثقة.
وبدون رؤية متكاملة وعملية من جميع القوى المسؤولة في الدولة وخارجها لانهاء الازمة الحالية والموروثة.. والالتزام بفلسفة النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني والقضائي والاقليمي الذي حاول الدستور توصيفها.. والطبيعة الريعية للدولة.. واحتكار الارض والنفط والصناعة والزراعة والمال وغيرها.. والقرارات والسياسات المحركة لذلك كله.. وما قادت اليه من تعطيلات وكوارث داخلية ومع الخارج.. وبدون العودة لسلطة الشعب الحقيقية، ولاولوية الاقتصاد الاهلي ودور الشعب والمجتمع في الحياة السياسية والاقتصادية والامنية، فان معظم البرامج والمطلبيات المطروحة من السلطات او "الشارع"، ستعمق الازمة بدل حلها.. وسيستمر الجميع بالقاء المسؤولية على غيره. وسننقسم حول سياسات مأزومة تقود للتصادم.. وسنتصارع في دائرة الفساد والتخلف على ريوع تأتي للبلاد بدون مجهودات جدية.. يسعى كل منا لان يأخذ، بحق او باطل، اكثر ما يستطيع منها.
عادل عبد المهدي