تمهيد : ما زال العالم منشغلا بالضربة الامريكية المرتقبة لسوريا، وسواء كانت الضربة عاجلة او آجلة ، محدودة او واسعة، فهي حلقة في المخطط الأمريكي لتطوير الهيمنة في الشرق الاوسط وجزء من لعبة تغيير التوازن، اذ تشعر واشنطن ان عرش قيادة العالم لم يعد مريحا لها بما يكفي، ويجب تحديث التدابير للحيلولة دون فقدان ذلك العرش ، لذا فهي ترصد بقلق بعض التطورات العالمية الكبرى المتعددة الاوجه، وتحاول الرد عليها او احتواءها او الانسجام معها في ظل ثقافة جديدة تروج وتسوغ للتبعية والعولمة ، وفي ظل تغيير جذري في مفهوم الاحتلال وادواته ومعاييره واهدافه ، أهم التحولات التي تسبب قلق اميركا : ١. تطور التحالف العالمي الذي يضم روسيا والصين وايران وكوريا الشمالية وقد تلتحق به الهند وان كانت ملامحه قلقة الا انه قابل للتطور كرد فعل على سياسات واشنطن ليشكل تهديدا لمصالحها وتفردها . ٢. تشعر الولايات المتحدة بضرورة الالتفات الى الداخل الامريكي ومواجهة الأزمة الاقتصادية المتوقعة التي يمكن ان تضرب الغرب في اي لحظة ، وهي أزمة الاقتصاد الربوي التي تفجرت قبل ٣ثلاثة اعوام ، واصبحت نائمة وقابلة للانبعاث. ٣. حاجة اميركا الى تحديث خطط نفوذها في الشرق الاوسط والتي كانت متأثرة بالخارطة التقليدية لمنابع النفط القديمة المنحصرة في مثلث شرق السعودية وجنوب العراق وجنوب غرب ايران بينما تتوقع بحوث التنقيب اكتشاف آبار غزيرة في شرق المتوسط وسوريا والانبار وتركيا . ٤. تفعيل ونشر النموذج الصهيو- وهابي في العالمين العربي والاسلامي والذي نشأ وتطور في القرن الثامن عشر برعاية المخابرات البريطانية والماسونية ثم تولت اسرائيل تطويره بانشاء حركة طالبان والقاعدة والدولة الاسلامية في العراق والشام وغيرها من المسميات. ٥. افشال تيار الاسلام المعتدل كبديل سياسي في دول الربيع العربي وضربه بالتيار التكفيري وتعميق الفوضى التي تمهد لتقسيم دول المنطقة وتثبيت الليبرالية الآمنة . الهجوم المفترض على سوريا يوفر فرصة للولايات المتحدة للتعامل مع جميع التحولات المذكورة اعلاه ، بتتويج اسرائيل زعيمة للشرق الاوسط الجديد ، واعلان نيابتها للغرب في الهيمنة على المنطقة ، وتسخير جميع القوى التابعة لخدمتها . الاصداء الاعلامية والسياسية في العراق : • تناولت الصحف العراقية اجتماع مجلس الامن الوطني برئاسة رئيس الوزراء نوري المالكي والذي ناقش آخر تطورات الأزمة السورية ، والتدابير المطلوبة لحماية الحدود وتنظيم عملية استقبال اللاجئين المتوقع توافدهم على الاراضي العراقية . • خلال لقاءه السفير الامريكي في بغداد ستيفن بيكروفت اعرب رئيس الوزراء نوري المالكي عن قلق العراق من مضاعفات التدخل العسكري الامريكي في سوريا والتي قد تعم المنطقة ، رافضا الحل العسكري وداعيا الى حل سياسي للازمة وتجنيب المنطقة ويلات الحروب . • اكد رئيس الوزراء وضع القوات الأمنية في حالة تأهب قصوى قبل هجوم دولي متوقع على سوريا. واضاف ان السلطات العراقية تتخذ التدابير اللازمة "لتخفيف ما قد يترتب على الحرب من ازمات داخلية على مستوى الاقتصاد والخدمات والصحية. • اطلق العراق مبادرة لحل الأزمة السورية سلميا مكونة من عدة نقاط لقيت ترحيبا اقليميا. • اطلق النائب احمد العلواني تصريحات جديدة تحرض على الاقتتال الطائفي، وتكلم العلواني من على منصة الاعتصام في الانبار، وقال ان سنة العراق سيواجهون حربا بسبب الازمة في سوريا وانه يتعهد بمقابلة ذلك بقطع الرؤوس، وقد فسر مراقبون تصريحاته بانها تصعيد محسوب ومدفوع الثمن هدفه تأجبج أزمة في العراق تتزامن مع ما يجري في سوريا . • على خلفية الأزمة السورية عرض الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز استضافة اكثر من الف شيخ عشيرة من العراق للاجتماع بهم في موسم الحج ، ووصفت وزارة الداخلية العراقية دعوة الملك بأنها مشبوهة وتعد تدخلا في شؤون العراق. • رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي يبحث مع السفير الفرنسي لدى العراق (ديني غوير) تأثير الأزمة السورية على العراق والمنطقة . • وزير الخارجية هوشيار زيباري يعرب عن رفض العراق توجيه ضربة لسوريا من دون توافق دولي وذلك خلال مشاركته في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة. ويؤكد زيباري في تصريحات مماثلة أن العراق لا يقدم أي مساعدة رسمية لطرفي النزاع في سوريا ، و إن موقف الحكومة العراقية منذ اليوم الأول من الأزمة هو تشجيع الحل السلمي. • اعترفت وزارة الخارجية الامريكية ان الضربة العسكرية لسوريا ستؤدي الى تصاعد العمليات الارهابية في العراق بسبب صعوبة السيطرة على الحدود واعتياد العصابات الارهابية على التنقل بحرية بين البلدين . • أكد مراقبون ان الأزمة السورية أخذت منحى طائفيا الامر الذي سيجعلها ذات تأثير مباشر على دول المنطقة وابرزها العراق الذي يشهد توترا سياسيا وامنيا. • انتقد سفير العراق لدى جامعة الدول العربية قيس العزاوي الجامعة ووصفها بأنها اصبحت طرفا في الأزمة ووفرت غطاء عربيا لضرب سوريا، واضاف العزاوي ان دولاً اقليمية تتحمل مسؤولية دعم المد الأصولي في سورية ، مشيرا الى ضرورة حل الازمة سلميا وليس عن طريق العنف لأن خسارة أحد الطرفين تعني وقوع مجازر. • يرى الخبير الاقتصادي العراقي الدكتور هلال الطعان أن صادرات العراق النفطية لن تتأثر بشكل كبير جراء تعرض سوريا لهجمات عسكرية محدودة كون العراق يعتمد بشكل كبير في صادراته على الخليج كمنفذ بحري وبنسبة تتجاوز ٩٠%. إلا في حالة تدخل ايران في الصراع واغلاق مضيق هرمز مما يسبب كارثة اقتصادية للعراق وارتفاع غير مسبوق في اسعار النفط عالميا . فيما قال المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد أن صادرات العراق لن تتأثر بشكل كبير بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا باعتبار ان العراق يعتمد أساسا على المنفذ البحري الجنوبي لتصدير النفط والذي يصدر منه أكثر من ٢,٢ مليون برميل يوميا ، لكن صادرات ميناء جيهان التركي قد تتأثر اذا ما دخلت تركيا على خط الأزمة وقد يخسر العراق ٤٠٠ الف برميل يوميا. • لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية متفائلة وتقول أنه لا مخاوف من تأثر صادرات العراق النفطية بل على العكس، فان الامور ستعود بالفائدة الاقتصادية على البلد لان اسعار النفط ستشهد ارتفاعا قد يصل الى ١٥٠ دولارا للبرميل ، بما يسهم في زيادة عائداته. • اكد موردون تجاريون ان الأزمة ستؤدي الى وقف الصادرات السورية التجارية الى العراق البالغة اكثر من ٣ مليارات دولار ، وسينعكس ذلك سلبا على السوق العراقية خاصة وان البحث عن مصادر جديدة يستغرق وقتا طويلا ، وقد استعاض العراق بواردات من الاردن وايران وحتى من تركيا والسعودية اللتين لا يصح ان يقابلهما العراق بعلاقات تجارية في وقت يسعيان الى زعزعة امنه واسقاط نظامه السياسي. الضربة الامريكية لسوريا بين التعجيل والتأجيل : لايمكن الحديث عن الضربة الامريكية لسوريا وكأنها أمر لابد منه، فالولايات المتحدة تتعامل مع الضربة على عدة مستويات افتراضية، ويبدو ان عدم تحديد واشنطن لحجم الضربة ، ووقتها ، وكيفيتها ، واهدافها ومبرراتها ، توفر للبيت الابيض فرصة لاستخدام الحرب النفسية وتوظيف عنصر الانتظار والترقب من اجل استنزاف سوريا وحلفاءها نفسيا وارهاق القوات البرية وقوات الدفاع الجوي بحالة الانذار والاستعداد، ومن اجل اعطاء وقت كاف لبلورة اصطفافات اقليمية جديدة، كما ان ابقاء الوقت مجهولا يعزز خطة اعادة انتشار المعارضة المسلحة في مواقع جديدة وامساكها لاهداف ارضية تمكنها من الانطلاق بقوة حال وقوع الهجوم الأمريكي. فهناك من يعتقد ان الهجوم سيستخدم المعارضة المسلحة كقوات على الارض لا تمام صفحات الغزو الامريكي لسوريا ، بينما يرى محللون ان الولايات المتحدة اخفقت في الحصول على تحالف عالمي قوي لتوجيه الضربة ، وانها قد تتراجع على اساس صيغة معدة لحفظ ماء الوجه ، وقد تعمل سوريا نفسها بدعم روسي على ايجاد مخرج مشرف لاوباما مثل موافقة دمشق على وضع سلاحها الكيمياوي تحت الرقابة الدولية ، وغير ذلك من التنازلات الرمزية . موقع الأزمة السورية في المسار الصهيو - وهابي : من ابرز النتائج المتوقعة لأي هجوم امريكي على سوريا زيادة الهيمنة الاسرائيلية على المنطقة امنيا وسياسيا واقتصاديا ، وتحقيق تفوق استراتيجي غير مسبوق لتل ابيب الى المدى الذي يسبب خللا واضحا في توازن القوى في المنطقة ، كما تشكل الضربة تحديا لايران وتهديدا لحزب الله ، ومجمل معسكر الممانعة في المنطقة ، ويبدو ان الضربة مصممة فنيا لكي تحقق لواشنطن تعاملا ايجابيا مع جميع التطورات العالمية المقلقة المذكورة اعلاه . ولعل من ابرز معالم الاستراتيجية الامريكية الراهنة اعتماد التدخل غير المباشر، وتسخير اصدقاء يحشدون ويصدرون فتاوى القتل ويقاتلون وينفقون اموالهم بسخاء لاجل اميركا واسرائيل ، يحاربون بجيش عربي اسلامي ثقافته بدوية قبائلية الشكل والمضمون ، وعقيدته تكفيرية تعود في جذورها الى الحركة (الصهيو وهابية) التي عكفت على صياغتها المخابرات البريطانية منذ القرن الثامن عشر ثم واصلت المخابرات الامريكية والموساد الاسرائيلي تطويرها من خلال تأسيس منظمة القاعدة ، وطالبان في افغانستان ، ثم تأسيس عصابة الدولة الاسلامية في العراق والشام . يستعينون بأحدث فنون غسل الادمغة والتسخير النفسي والسلوكي للافراد المجندين، ويجري تمويل هذا العمل من عوائد النفط العربي وليس الامريكي، ويستخدم وسائل اعلام متطورة منها قنوات فضائية يشار لها بالبنان كقناة (الجزيرة والعربية والشرقية والحرة ) ، والتي تعمل بتقنيات البث الحديث وقواعد الدعاية والتأثير، وتعتمد خبرات الاعلام الغربي وجهود مستشاريه ، وتقلد في تقنياتها الصورية والاخراجية قنوات غربية شهيرة مثل cnn و bbc و foxnews وغيرها وتعد ظلا لها، وتتولى عملية منظمة وغير مباشرة في الترويج للتطبيع مع اسرائيل من جهة، ونشر النموذج التكفيري وتكثيف حضوره الاعلامي من جهة أخرى ، وشن حرب نفسية ضد كل اشكال الممانعة والرفض لاسرائيل والمخطط الأمريكي واشاعة روح الفشل والاحباط في المجتمع العربي والاسلامي تجاه اي مشروع تحرري. كما يمتلك المعسكر الصهيو- وهابي الجديد هيئة دينية اسلامية توفر لعملياته غطاء شرعيا ، ويعمل فيها جيش من علماء الدين المجندين والمدربين وصناع الفتاوى، الذين اصبحوا يحتلون منبر مسجد النبي والمسجد الحرام، في اكبر انتصار للمخطط الصهيو- وهابي ومن هناك يصدرون فتاوى الذبح الطائفي، ويمتلك ايضا حشدا من الكتاب والمثقفين وابواق الدعاية والحرب النفسية . ولئن كانت هذه التدابير تجري بسرية بالغة لسنوات عديدة فقد انكشفت حلقات مهمة منها في الحرب الدائرة بين الجيش السوري والفصائل المسلحة التي يغلب عليها التكفيريون، اصبح الدعم الاسرائيلي للمسلحين واضحا فقد فتحت اسرائيل بوابات ومعابر الجولان المحتل لاستقبال جرحى التكفيريين وتزويدهم بشحنات كبيرة من السلاح والذخيرة وتقارير المعلومات حول المواقع السورية ، والمعلومات الاستخبارية ، وقد اكد احمد جبريل ابرز قادة المقاومة الفلسطينية هذه المعلومات في حوار اعلامي . فمعركة القصير التي خاضها حزب الله كشفت وحدة المعسكر الاسرائيلي ومدى تورط بعض الحكام العرب في معركة الاطاحة بسوريا ، فقد تم العثور على خبراء وضباط من السعودية وقطر ومن البعثيين في غرفة عمليات مشتركة باشراف اسرائيلي ، كما اظهرت تلك المعركة الاندماج الميداني بين حزب الله والجيش السوري وامكانية التقدم وحسم المعركة في أكثر من محور، وكشفت نقاط الضعف القاتلة في صفوف المعارضة السورية ، وفور انكسار شوكة موقع القصير انطلقت القوات السورية وبدأت بتحرير المواقع التي احتلها المعارضون تباعا ، حتى اوصلتهم الى حافة الانهيار الكامل ، وكان الحل الوحيد بنظر المعارضة لوقف الانهيار استخدام السلاح الكيمياوي بتوصية من الموساد الاسرائيلي واحداث مجزرة بين المدنيين والهدف من ذلك خلط الاوراق ووقف زحف الجيش السوري ، وقد فشلت لجنة التحقيق في اثبات ان الجيش السوري هو الذي استخدم السلاح الكيمياوي ، كما تحدى الرئيس السوري بشار الاسد الولايات المتحدة ان تأتي بدليل على استخدام جيشه السلاح الكيمياوي ، بدا واضحا ان استخدام السلاح الكيمياوي كان مطلوبا لتوفير ذرائع لضربة امريكية تحفظ معسكر التكفيريين من الانهيار. الحلقة الاخيرة في مخطط الهيمنة الاسرائيلية : مر المشروع الاسرائيلي منذ بدايات القرن الماضي بمراحل عديدة ، ابتداء من تهجير الفلسطينيين ، ثم خوض حروب اثبات الوجود مع الحكام العرب، واحتلال مناطق جديدة من البلدان المجاورة ونشر المستوطنات ، وتمزيق الصف الفلسطيني والتوسع الاستيطاني ، ثم البدء ببرنامج التطبيع لجعل اسرائيل عضوا مقبولا في المنظومة الاقليمية ، ثم الانتقال من التطبيع الى الهيمنة السرية على معظم حكومات المنطقة سياسيا وعسكريا واقتصاديا ، حيث اصبحت اسرائيل تدير العالم العربي سياسيا واقتصاديا وتمتلك مفاتيح نفطه وثرواته وتديره دينيا حتى يصبح خطباء الحرمين من اتباعها !! وتستخدم العرب في مواجهة معسكر الممانعة الذي يرفض التطبييع او التعامل مع اسرائيل ، الازمة السورية الراهنة معدة اصلا لتتويج اسرائيل زعيمة للشرق الاوسط ، لكن مع كل هذه الحقائق لا شرط ان تكون الضربة الامريكية لسوريا هي الوسيلة الوحيدة لاكمال الاسوار حول اسرائيل ، فقد تكتمل الحلقة بوسائل باردة ايضا ، هناك حاضنة جغرافية لاسرائيل مكونة من فلسطين المحتلة ، ثم الطوق الفلسطيني الذي يعيش في ظلها ثم الطوق التكفيري الذي يجب ان يهيمن على لبنان وسوريا والاردن ليشكل منطقة خضراء حولها اما الطوق الاخير فهو مجموعة الدول العربية التابعة لاسرائيل سرا والمستقلة علنا ، هذه الاطواق الجغرافية اصبحت تقترب من شكلها النهائي ويبدو ان العائق الاكبر حاليا وجود حزب الله وسوريا وهما طرفان بارزان في معسكر الممانعة ورفض التطبيع، فالولايات المتحدة تنظر اليهما وكأنهما بقعتان حمراوان في قلب الطوق الاخضر الحاضن لاسرائيل ، المخطط يتطلب ازالة هاتين البقعتين، ولكن اسلوب الازالة مختلف فقد يتطلب الامر ضربة موجعة او يتطلب مرحلة انتقالية باردة، النظام السوري نظام تقليدي ومشمول بتحولات الربيع العربي لكنه محسوب على معسكر الممانعة الذي يضم ايران وحزب الله والكتل السكانية الشيعية في المنطقة ، لذا قد تتوفر عدة خيارات لواشنطن في التعامل مع سوريا: ١. توجيه ضربة قوية واسقاط النظام وتسليم السلطة الى نظام بديل يخدم مصالح اسرائيل . ٢. اسقاط النظام السوري معنويا وتحويل ولاءه واخراجه بالقوة من خندق الممانعة والانتماء واعادة دمجه بالطوق العربي الصهيوني والذوبان فيه. ٣. التعويق الجسدي لسوريا وجعلها من ذوي الاحتياجات الخاصة ، وذلك بتدمير بنيتها التحتية وفرض حصار عليها واخراجها من ساحة المواجهة، حتى لا تعد نافعة لاي طرف، اي تكرار السيناريو العراقي بعد عاصفة الصحراء عام ١٩٩١ وهناك ملامح لمثل هذا الحل تجعل التجربة مع بشار الاسد مشابهة لما جرى مع صدام ، وابرز وجوه الشبه استخدام ذريعة الاسلحة الكيمياوية في سوريا كما استخدمت كذبة اسلحة الدمار الشامل في العراق . ثم تجييش العالم لدعم الضربة كتكرار للحلف الثلاثيني ضد نظام صدام وتجييش العرب ونفطهم واموالهم واعلامهم وقواعدهم . وتهيئة العصابات المتطرفة للعب دور محدد عند حدوث الفراغ السياسي والامني او بعده. ٤. خيمة جنيف امتداد لخيمة صفوان العراقية الشهيرة : كما انتهى نظام صدام الى وضعه تحت الوصاية الدولية والبند السابع من ميثاق الامم المتحدة ومحاصرته وتدمير اسلحته وجره الى خيمة صفوان مكسر الاجنحة يستمع الى الاملاءات ذليلا صاغرا ، فهم يأملون جر نظام بشار الى خيمة جنيف ليخرجوا للعالم بصورة مكررة لنظام معاق . اثار الضربة على الوضع الاقليمي والعالمي : استهداف سوريا يؤدي بالنتيجة الى تعزيز المعسكر الاسرائيلي واكمال اطواق الحماية حوله، الا ان هذه الاهداف لا يمكن ان تمرر بسهولة ، فمثل هذا التحدي بقدر ما يؤدي الى تعزيز هيمنة اسرائيل والغرب على المنطقة سيؤدي ايضا الى تحولات مضادة ايضا : ١. انعاش معسكر الممانعة في العالم ، واكتسابه جاذبية جديدة ، والتفاف مزيد من شعوب المنطقة ومنظماتها وواجهاتها حول منهجه ورموزه السياسية، وتصاعد موجة الكراهية للغرب وما يمثله من عدوان، ومواجهة دعوات التطبيع مع اسرائيل بمزيد من الرفض، وكلما كانت الضربات قوية ادت الى صحوة اقليمية وعالمية اوسع ، كما قد يجد معسكر الممانعة نفسه مضطرا الى استخدام العنف للدفاع عن نفسه، وستكون تجربة سيئة لاسرائيل وطوقها العربي الوهابي . وقد تدفع الضربة الامريكية المترددين من الناس والساسة الى حسم خياراتهم والوقوف الى جانب معسكر الممانعة من باب التعاطف مع المظلومين. ٢. تعد الضربة الامريكية لسوريا بمنزلة المسمار الاخير في نعش الوحدة العربية او ما يسمى الامة العربية او التضامن العربي، خاصة وان الجامعة العربية في اجتماعها وفرت شرعية لضرب سوريا بالحاح سعودي، وستكشف الاندماج الصهيو- وهابي في المنطقة وسيطرته على العالم العربي، ووضع المنطقة كلها في خدمة الولايات المتحدة واسرائيل وما يعنيه ذلك من خلل في التوازن الاقليمي والعالمي، واحياء لمفهوم التبعية للغرب بثياب جديدة وضياع التضحيات الكبيرة التي تكبدتها شعوب المنطقة في ثوراتها ومقاومتها المستمرة للتخلص من التبعية وتأسيس انظمة حكم عادلة. ٣. استفزاز التحالف العالمي الذي تتصدره روسيا واجباره على اعادة ترتيب اوراقه ، واجبار كثير من الدول الصامتة على الانضمام اليه ، خشية هيمنة الولايات المتحدة واسرائيل على المنطقة والعالم، خاصة وان هذا التحالف قادر على استمالة كثير من الدول الصناعية الصاعدة في شرق آسيا ، ويبدو ان مصداقية روسيا ومصالحها الكبرى اصبحت متوقفة على مصير سوريا، فهي الحليف الاقوى لموسكو في الشرق الاوسط ، وهي تمثل المركز التأريخي لارثوذوكس العالم، لذا فقد يتطور الانفعال الروسي تجاه اي ضربة امريكية لسوريا الى مواجهة مباشرة بين العملاقين، وكان اسقاط الطائرة الامريكية في سوريا مؤخرا ، واعلان روسيا تزويد سوريا بصوارخ s٣٠٠ كلها تدل على امكانية حصول مواجهة مباشرة. آلاثار المحتملة للتدخل العسكري في سوريا على العراق لا يمتلك العراق ارضية سياسية رصينة لتحمل معركة ذات طابع عالمي تجري على حدوده الغربية ، فالعراق مازال في التعريف السياسي يعد بلدا افتراضيا لم تتوفر له عوامل نشوء الدولة الموحدة فهو يعاني من الامراض الآتية : ١. تشظي الارض وشبح التقسيم : العراق يعاني من شبه انفصال كردي في اقليم كردستان ، من الناحية الادارية والامنية والاقتصادية والنفطية والعلاقات الدولية . ويتبع الانفصال الكردي تمرد سني على خلفية مطالب سياسية اغلبها تخالف الدستور، وقد يؤدي ذلك الى الانفصال السني ايضا وهذا يعني نمو عوامل تقسيم العراق بشكل واضح الامر الذي يلغي مصداقية الوحدة الترابية للدولة العراقية. ٢. تمزق الهيئة الحاكمة وتناحرها : القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية لا تمتلك رؤية واحدة وموحدة في ادارة البلد ، ومنها قوى لا تعترف بالديمقراطية ولا بالانتخابات ، ولا بالدستور ، والاخطر من ذلك ان هناك ساسة يشاركون في العملية السياسية لاجل افشالها ، وهناك نواب يقودون عمليات ارهابية ويمولون ويخططون للارهاب في البلاد. وتبعا لذلك تنقسم السلطة في العراق الى مؤيدين لاسقاط النظام السوري ورافضين له . ٣. الاختراق التكفيري المحمي : يعتقد المراقبون للشأن العراقي ان هناك نوابا ووزراء وافرادا من بين كبار الموظفين وضباطا في القوات المسلحة وتجارا واصحاب ثروات مجندون للمعسكر الصهيو- وهابي، ومكلفون بتثبيت اركان هذا المعسكر في العراق، ومن الاعمال التي ينفذها هؤلاء اطلاق الخطاب الطائفي، ورعاية التمرد في المنطقة الغربية وتحويله الى منبر للصهيو- وهابية ، وادارة وتمويل وتخطيط العمليات الارهابية ، وتقديم الدعم والغطاء السياسي والاعلامي للعصابات التكفيرية . وتبدو الحكومة عاجزة عن وقف هؤلاء المجندين عند حدهم لانهم محميون من قبل الولايات المتحدة واسرائيل والحكام العرب التابعين لتل ابيب، بينما تعاني الكتل والقوى العراقية الاصيلة المحسوبة على العراق ومعسكر الممانعة من التشرذم والتنافس وتفشي الفساد. في ظل هذا الواقع ، وامام البنية الهشة للعراق سياسيا واجتماعيا وامنيا، يمكن تقديم قراءة مسبقة لآثار الضربة الامريكية على سوريا ، فمن الناحية السياسية ربما تؤدي هذه الضربة الى مواجهة داخلية في العراق وتأجيج حرب بين جبهتين الاولى هي جبهة الشعب العراقي بكل مكوناته الاجتماعية مقابل العصابات الصهيو- وهابية بكل مالديها من غطاء ديني وسياسي واعلامي وعسكري داخل العراق، سوف تتشكل الجبهة الحقيقية للعصابة المسماة دولة العراق والشام ويصبح افراد الطابور الخامس التابع لها من الساسة واضحا ومكشوفا ، ومرة اخرى سوف يتبرأ المكون السني من تلك العصابات بكل اشكالها ويشكل الصحوات مجددا لقتالها والتخلص منها ، خاصة وان تلك العصابات تنظر الى العراق باعتباره العمق الجيوسياسي لمعسكر الممانعة ولا بد من كسر شوكته واخضاعه للتحالف الصهيو- وهابي وتحويله الى جبهة متقدمة لصالح اسرائيل ولتحطيم ما يسمونه بالهلال الشيعي. رؤية مستقبلية سواء نفذت الولايات المتحدة وعيدها بضرب سوريا او قررت تأجيل الضربة ففي كل الأحوال يجب ان تنفذ خطة الهيمنة الصهيو- وهابية على المنطقة ، لان اسرائيل تعيش هاجسا تلموديا تنبؤيا يطغى على واقعيات العمل السياسي وبناء على معطيات ذلك الهاجس تشعر ان نهايتها ستكون عاجلا ام آجلا على ايدي الايرانيين وجيشهم الشيعي المنتشر في كل مكان، وبوحي من هذا الهاجس تقوم اسرائيل بتشكيل اطواق الحماية حولها ، حتى لو تطلب الأمر تلفيق مذهب الاسلام الصهيوني التكفيري ونشره ، كما فعلت من قبل باختراع الصليبية الصهيونية ، اي الاستعياب اليهودي ودمج الديانتين الاسلامية والمسيحية بالمنهج الصهيوني واستخراج ضد نوعي من كل منهما لخدمة اسرائيل . سيشهد المستقبل توسيع الهيمنة الاسرائيلية في المنطقة ومواجهة اعضاء معسكر الممانعة كل حسب نقاط ضعفه: - ايران : المزيد من الحصار الاقتصادي والهجوم الاعلامي ومحاولة تحريض الداخل ضد نظام الحكم فيها. - حزب الله : محاولة اشغاله في حرب اهلية لبنانية ودعم التيار التكفيري الذي هو ذراع اسرائيل في لبنان لمحاصرته. - العراق : تصعيد العمليات الارهابية وتنمية عوامل التقسيم، والسعي لاثبات فشل الاسلاميين في ادارة البلاد تمهيدا لنظام يديره اصدقاء اسرائيل. ومع ذلك مازال كل من ايران والعراق وسوريا وحزب الله قادرين على افشال المخطط الامريكي الاسرائيلي ، ايران معتادة على الحصار ولديها تدابير مجربة لمواجهته ، وتفهم طهران ان نقطة الضعف الكبرى في اسرائيل انها دولة مختلقة استيطانية يمكن ان تتمزق وتتلاشى بعدة ضربات صاروخية موجعة ، فيتفرق سكانها عائدين الى دولهم الأم ، واسرائيل تعرف هذه الحقيقة وتعاني منها . أما العراق فهو البلد الذي يوصف بأنه يعين عدوه على نفسه ، وتحتاج حكومته الى ارادة سياسية قوية لمواجهة العصابات الارهابية وضربها بقوة ، فالانتصار على تلك العصابات ضربة حقيقية توجه الى المشروع الصهيو- وهابي ، فيجب استخدام القوة والحزم في مواجهة الارهاب ، ويجب عدم الاستسلام لمخططات تقسيم العراق الذي هو مطلب اسرائيلي . يعد نجاح العراق وايران وسوريا وحزب الله في تجاوز هذه الازمة امرا لا بديل له وهو الذي ينعش شيعة العالم ويجدد التفافهم حول رموز الممانعة والمقاومة.