عندما سألت أهله عن سبب حركته هذه، قالوا إنه متأثر جداً بشخصية "إيللي" انثى الماموث في أحد أفلام الرسوم المتحركة.
فيلم (ICE AGE) باختصار يحكي قصة أنثى ماموث "الحيوان الضخم"، يجدها حيوانين صغيرين، ويربيانها حتى تصبح واحدة منهم.. والمشهد الذي تأثر به إبن أصدقائي هو قيام "الماموثة" بتمثيل دور "الميت" عندما يحلق النسر فوقهم.. لأنها تعتقد أنها تشبه الحيوانات الصغيرة التي تربّت معهم.. فهي لم تتصور أن "النسر" لا يستطيع اختطافها.
هذه القصة جعلت عقلي يعود لنهاية التسعينيات، في الجيش تحديداً، وبالذات لتمرين عسكري اسمه "لعبة موت"، التدريب يقوم على أساس بناء معسكرين أحدهما يهاجم الآخر، وتحدث فيه اقتحامات.. قتل.. أسر وإخلاء ضحايا، كل هذا تمثيل طبعا، لكن الشخص "المستمتع" أو "المستفيد" من هذا التمرين هو الجندي الذي يمّثل دور "الضحية".. فبمجرد أن "يُقتل" ينتهي دوره، ويبقى ممدداً على الأرض ولا يتحرك، حتى وإن انتهت "اللعبة".
نحن العراقيين، نشبه تماما الجندي "الميت" في تمرين "لعبة الموت"، وسنوات اليأس التي ربّتنا، جعلتنا نقتنع بأن العيش بدور "الضحية" أفضل من اللاعيش، فمثلنا يقول "الذي يرى الموت يرضى بالصخونة"..
منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، لم يكن للشعب أي رأي في اختيار مصيره، فمرّة نحن ملكيون، ومرة قاسميون، ومرة شيوعيين أو بعثيين.. ودائما نحن أدوات للتنفيذ. نتأثر بالحاكم ونطيعه، ولا نُظهر تمرّدنا على العلن بشكل صحيح، وإن ظهر فهو لا يوازي أفعال الحكام بنا، وإلا ما معنى الرضوخ لما جرى سابقا؟.
الأمل الذي توقعنا نيله بعد ٢٠٠٣، لبناء دولة مدنية لم يتحقق حتى الآن، لأن الكل يتحرك بانفراد، ولا يوجد عمل جماعي للتغيير، والكارثة أننا نعيد انتخاب الوجوه نفسها التي اختبرنا فشلها، بحجة إن الموجود "أفضل السيئين".. ويا لها من حجة قاتلة.
الرضى بتمثيل دور "الضحية" هو أسوأ دور نقوم به كبشر، فاليأس سيصبح "عادة" لا تزول، وهو موجود بأشكال متعددة، في الشارع والبيت، في الوظيفة، بل حتى في الفيسبوك.. وما زلنا لم نتعلم كيف نتوجه نحو الأمل.
متى نرفع رؤوسنا لنرى لون السماء.. ومن يستطيع أن يُقنع "ماموثنا العراقي" أن النسر لا يستطيع اختطافه، أو أنه أكبر من أن يكون فريسة؟