المشكلة كما نراها تكمن في ثقافتنا السائدة.. فطبقتنا السياسية تعتبر الاعتراف بايجابيات غيرها تقوية لخصومها.. وتخلي عن مبادئها التي لا تقبل الخطأ والمراجعة.. كما تعتبر اعترافها باخطائها وسلبياتها ضعفاً لا يليق بها.. لا تقبله ثقافة شعبنا، كما يروجون. فيختلط الحابل بالنابل والصحيح بالخطأ، ونبتعد عن الحقيقة والحقائق التي بدون الاقتراب منها سنعيش الاحلام والاوهام. فيقف البعض يصفق للسلبيات ليقف اخرون ينكرون الايجابيات.. وليدعو البعض لماضٍ بكل ما عليه، او ليدينوه جملة وتفصيلا.. فالحاضر والمستقبل احباط ويأس، او احلام بمشاريع بلا اساسات.
والمشروع هو معرفة الحقيقة، التي تبدأ بايجابيات وسلبيات ما انتهى اليه الاخرون.. لا تدمير، او قبول كل شي.. وهذا خلاف ما فعلته الحضارات والاديان.. فالرسول الاعظم اوصى بالعلم والحقيقة.. فحطم الاصنام، لكنه منح الامان وارسى مبادىء العدل والفضيلة والارتقاء.. فجاء الحكام بعده فعدلوا او ظلموا.. لكنهم عندما اخذوا بالمعارف والمكاسب والنظم من السابقين والمعاصرين، ومن الفرس والروم وغيرهم، صاروا ارقى الحضارات. كذلك عندما هزم الروس والامريكان المانيا النازية اخذوا منها خيرة تجارب وعلماء هتلر، واستثمروا ذلك في خدمة مشاريعهم ولبناء قواهم ومستقبلهم. فالانتقال من نظام بالٍ الى اخر ارقى هو بالانقطاع عن السلبيات واستثمار الايجابيات.. فتتقدم البلاد رغم التضحيات.
فالسحل والسجن والقتل والتعذيب ونفي الاخر، نتائج لعدم اعتراف الحكام باخطائهم وفشلهم.. فيقابلهم الاخرون بعدم الاعتراف بايجابياتهم.. فتضيع الحقائق.. لهذا نكرر الاوهام.. فيضيع المشروع الحقيقي.. لنبدأ دورة جديدة لمراكمة السلبيات وتدمير الايجابيات. فالعلم والحضارة والتقدم هو سجل للتجارب الناجحة والفاشلة.
كان هذا ديدن الحكومات المتلاحقة.. وسيبقى ديدن الامور.. الى ان ندرك، ان اولى خطوات الاصلاح ووقف التدمير الذاتي هو الاعتراف بايجابيات غيرنا والاعتراف باخطائنا.. فالقوة ليست القبضة الحديدية والعنف والسباب.. بل معرفة الحقائق والاثار.. والعمل بموجبها.. وتشخيص ما يرتقي بالبلاد وما يهددها، وهذه اعلى درجات القوة والثقة بالنفس.. عندها سيتحرك المشروع، ويصبح الحلم حقيقية، وتزول الكوابيس والاوهام.
عادل عبد المهدي