يتفنن الحكام لتعزيز سلطاتهم.. فيطلقون الاجهزة الامنية والاستخباراتية.. ويقتلون ويعذبون ويسجنون.. ويزرعون الخوف بين الناس.. فيسارع الاب للابلاغ عن افعال ولده.. والجار عن جاره.. ويصاب الجمهور بالهلع واليأس.. ويتولد احساس بالعجز العام وبقاء الحاكم وقوته.. مما يزوده بالاطمئنان والقوة.. فيسخر امكانات الدولة لنفسه.. ويشتري الذمم.. ويربط المصالح بمصالحه.. متوهماً انه بالقمع والاغراء سيعطل السنن التاريخية والقوانين الاجتماعية.. حتى تقع الواقعة.. فتنطلق شرارة.. وتنتشر النار في الهشيم.. الذي برع الحكام في صناعته عندما جففوا ينابيع الحياة.. وجعلوها قابلة للاشتعال امام اول وميض نار.. فتخرج الجموع عن بكرة ابيها.. وكأنها ممالك نمل.. تكتسح شبكات الامن والقمع.. وكأن يداً خفية عطلتها.. فالكهرباء الذي كان يغذيها قد انقطع.. وتحولت اسلاكهاً حديداً بارداً.. فبرج سيدها قد انهار.. ولا احد يريد السقوط معه.. ليترك لمصيره وحيداً يتهم المحيطين به بالخيانة والخذلان.. دون ان يدرك انها خيانته وخذلانه يردان اليه، عندما ظلم شعبه واحتكر حقوقه.
فيعود الامام قدس سره في وضح النهار لتستقبله الملايين وينهار نظام ملك الملوك الشاهنشاهي دون اراقة تذكر للدماء.. وتنتفض محافظات العراق خلال ايام ولا ينقذ سقوط النظام سوى خيمة صفوان.. وينهار جدار برلين.. وتذوب الانظمة الشمولية في مشارق الارض ومغاربها وكأنها قطع من جليد سطعت عليها شمس آب الحارقة.. ويضحي شاب تونسي بحياته فتنهار الانظمة العربية المتجبرة الواحدة تلو الاخرى.. ويتولد احساس بالاقتدار والقوة نقيض الياس والاحباط السابق.. بان الثورة عمل سهل.. فيكفي الذهاب لساحات التحرير والهتاف "الشعب يريد اسقاط النظام".. وان الثورة ممكنة في اي وقت.. فاليأس المطلق لم يكن حقيقياً وكذلك الاندفاع المطلق. فسنن التاريخ وقوانين الاجتماع لا ترحم لا هذا ولا ذاك.
وفي العراق علينا كمسؤولين ان نستذكر الفصل الاول فلا ياخذنا الغرور.. وكمعارضين ان نستذكر الفصل الثاني فلا نرفع شعارات متطرفة ومتعجلة.. ليس لانه لا يوجد ظلم وحرمان.. بل لان شروط الاصلاح والانطلاق ما زالت اقوى من شروط الثورة والانقلاب.. والانتخابات تتقدم رغم كل شيء.. وتجربة كردستان الاخيرة دليل على ذلك.. والانتخابات بطبيعتها عمل تغييري واصلاحي يسحب الكثير من احتقانات الثورة والتمرد. اما اذا سوفت الانتخابات واجلت.. فسيسقط النظام شرعيته بيده.. عنذاك سيتآمر المسؤولون على انفسهم، قبل ان يتآمر غيرهم عليهم.
عادل عبد المهدي