تعرض نظام التعليم في العراق الى انتكاسة خطيرة منذ العام ١٩٦٣ الى سقوط السلطة الصدامية شأنه شأن القطاعات الصحية والخدمية والسكن وغيرها نتيجة توجه السلطة السابقة الى عسكرة الشعب وتخصيص الموارد المالية للصناعات العسكرية ثم تبديدها في حروب عبثية اعادت العراق الى القرون الوسطى وجعلته متخلفا في جميع الحقول ومن بينها بل في مقدمتها حقل التعليم حيث تراجع مستواه الى ادنى المقاييس المعتمدة من قبل
المنظمات العالمية المختصة في مجال التربية والتعليم .
الكبار من جيلنا والذي قبله والذي بعده يعرفون مستوى الجامعات العراقية علميا وثقافيا , وكيف كانت الجامعات العالمية تفضل خريجي جامعاتنا سواء للتدريس فيها او قبولهم في الدراسات العليا , الماجستير , والدكتوراه , وكيف كانت الكليات العراقية مهوى الطلبة العرب والاجانب والذين شغلوا مراكز علمية وثقافية وقيادية في بلدانهم بعد عودتهم الى بلدانهم , ونقلوا التجربة العراقية الى جامعاتهم اسلوبا ومنهجا وادارة ,وفي مقدمة هذه الجامعات جامعة بغداد , والجامعة المستنصرية , وجامعة الكوفة .
اما في علوم اللغة العربية والدين فكانت كلية الفقه في النجف الاشرف من اشهر الكليات العربية في هذا المجال على الاطلاق .
لكن مايؤسف له ان هذا المد بدا بالتراجع منذ ثمانينات القرن الماضي شانه شان بقية الحقول العلمية والادبية والفنية بعد ما تحولت الدولة الى منظمة سرية سعت الى عسكرة الشعب وتشاغلت باشعال الحروب الوهمية وصرفت طاقة العراقيين وثروتهم على الصناعات العسكرية واهملت جميع الجوانب الاخرى .
وعند ظهور التقييم العالمي للجامعات - قبل خمس سنوات - والذي تبنته منظمة ( ويبوماتركس ) وتبين منه الموقع المتدني لجامعاتنا كتبنا محذرين ومناشدين ومستنفرين ,
( هذا نذير ) !.
ويبدو ان القوم في واد واصواتنا خارج التغطية .
وهاهو التصنيف الجديد للجامعات العالمية والعربية يؤكد تراجعا يجر تراجعا.
الجامعات العربية لم تظهر في المراكز العشرة الاولى التي احتلتها الجامعات الامريكية .
تبعتها في المركز الحادي عشر جامعة كامبرج .
الجامعات الخمسون الاول كانت من تايوان , وكندا , واليابان , والمكسيك , والمانيا وانكلترا وتركيا ونيوزيلندا ودول اجنبية اخرى .
اول جامعة عربية جاءت في التسلسل ( ٣٠٢) هي جامعة الملك فهد بن عبد العزيز السعودية .
على مستوى قارة اسيا تم اختيار مائة جامعة لم تكن الجامعات العراقية من ضمنها بل كانت هناك جامعتين سعوديتيين .
ولمعرفة مدى التراجع في مستوى الجامعات العراقية نذكر بالتقييم العالمي لمنظمة ( ويبوماتركس ) للعام الماضي حيث اظهرما يلي :-
١ – جامعة الكوفة حصلت على المرتبة ( ٧٧ ) من اصل ( ١٠٠ ) جامعة عربية .
٢- الجامعة التكنولوجية حصلت على المرتبة ( ٨٦ ) من اصل (١٠٠ ) جامعة عربية
٣- جامعة السليمانية حصلت على المرتبة ( ٩١) من اصل (١٠٠ ) جامعة عربية .
امافي تقييم العام الحالي فقد جاءت هذه الجامعات في مستوى ومراتب متدنية جدا اذ جاءت :-
جامعة الكوفة في التسلسل (٧٣٥٣ ) من اصل (١٢٠٠٦ ) جامعة ,
والجامعة التكنولوجية ( ٨٥١١ ) من اصل ( ١٢٠٠٦ ) جامعة
وجامعة السليمانية ( ٨٥٢٧ ) من اصل (١٢٠٠٦) جامعة
وجامعة دهوك ( ٨٨٦٠) ,وجامعة كركوك ( ٩٠٠٩ ), وجامعة الموصل ( ٩٧٧٢ ) , وجامعة البصرة ( ١٠٤٨٧ ) , وجامعة بغداد ( ١٠٦٧٣) ,وجامعة بابل (١٠٦٧٥ ), وجامعة واسط ( ١١٣٩٦) ,هيئة التعليم التقني ( ١١٨٢٩).
فتدبروا يا اولي الالباب !.
تدني مستوى التعليم في مراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية افضع وامر وادهى ,اذ يكاد يخلو العراق من مدرسة نموذجية تحتوي مختبرا وملعبا ومرسما ومكتبة وحمامات صحية ومياه صالحة للشرب !فمعظم المدارس في مراكز المدن عبارعن بنايات بعضها خربة صفوفها الدراسية من دون حتى المراوح وشبابيكها من دون زجاج ،مناضدها محطمة .. دورات المياه مهملة وقذرة ,اما الملحقات .. مختبرات..وملاعب ومرسم ومكتبة .. فالحديث عنها ترفا .
هذا حال مدارس مراكز المدن ,اما مدارس الاقضية والنواحي فهناك اكثر من ٩٨٠ تسعمائة وثمانين مدرسة مبنية بالطين والقصب !ولاتتحدث عن ملحقاتها .وهناك اكثر من ٣٦٠٠مدرسة بحاجة للتأهيل .
واما ما يخص القرطاسية واللوازم الدراسية فتكاد لاتذكر ما عدا الكتب التي يتسلمها طلبة العام الجديد تالفة من طلبة العام الماضي فيضطر الكثيرون الى شرائها من الاسواق باسعار مرتفعة ترهق ميزانية العوائل .
كما ان المناهج الدراسية القديمة مازالت تفرض نفسها على نظام التعليم بجميع مراحله مع ان معظمها لاتواكب التطور العلمي والثقافي العالمي الذي شهد قفزات متسارعة من جهة , وتتقاطع مع توجهات ومسيرة العراق الديمقراطي الجديد وتطلعات المجتمع ومستقبل اجياله ,وبعضها مشبع بافكار وايدولوجيات حزب البعث ،والبعض الآخر يحمل مغالطات تأريخية وتزييف للواقع وتحوير منحرف للعقائد . كذلك بقي المعلمون والمدرسون محتفظين بمعلوماتهم القديمة بسبب عدم ادخالهم في دورات تدريب وتطوير المهارات المتزامنة مع التطور الذي يشهده العالم .
توجه للدراسة هذا العام اكثر من ٩,١٦٤,٣٦٤ بين تلميذ وطالب .
يحتاج العراق حاليا الى ٧٠٠٠ مدرسة ابتدائية ومتوسطة وثانوية لفك اشتباك الدوام المزدوج والذي وصل في بعض المدارس الى دوام ثلاث وجبات متعاقبة!.
ظاهرة تغيب المعلمين والمدرسين وتسيب التلاميذ مستمرة لهذه الاسباب ولغيرها.
اكدت الاحصاءات الرسمية ان عدد الطلاب المتشردين بسبب التهجير الطائفي بلغ ٣٢٠٠٠ اثنين وثلاثين الف طالب وتلميذ .
وبلغ عدد المعلمين والمدرسين المتشردين للسبب ذاته ٢٠٠٠٠ عشرين الف معلم ومدرس .
ومع ان البنك الدولي والوكالات العالمية قد شاركت بتقديم مبلغ ثمانين مليون دولار (٠٠٠٠٠٠ ٠ ٨) لدعم التعليم .
والصندوق الانمائي قدم مبلغ ٤٠٠٠٠٠٠٠ اربعين مليون دولار لتوفير الكتب و٦٠٠٠٠٠٠٠ مليون دولار لتأهيل المدارس .
وفضلا عن حصة قطاع التربية والتعليم من الموازنة العامة التي تقدر باكثر من ٨٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ ثمانمائة مليار دينار .
مع ذلك كله مازال واقع التعليم في العراق - وبكل مراحله - مترد ويتقدم بخطى سلحفات ومرد ذلك الى الفساد المالي والاداري الذي تفشى بشكل خطير وادى الى عرقلة بناء العراق الجديد وشل مفاصل القطاعات الحيوية من تنمية وسكن وخدمات وصحة وتعليم.