فان كان سيكون هناك تقسيم فنحن الذين نصنعه.. كما صنعنا "سايكس بيكو".. والانتداب والاحتلال والاستبداد والدكتاتورية والطائفية والتخلف والفقر والحروب الداخلية والخارجية، واي مشروع انهزمنا، وننهزم فيه. فالاعتقاد بدينٍ ومذهبٍ وقوميةٍ وفكرٍ امر طبيعي يلد مع الانسان وينمو معه.. والمجتمعات مركبات لهذه كلها تسعى لتصريفها وتنظيم حسن العلاقة بينها.. لكن السعي لتفريغ المجتمع منها، او السعي لفرضها على الاخرين.. او ان نحرم باسمها حق الاخرين في ان ينعموا بما ننعم به.. فهو الوعي المزيف المطلوب اسقاطه. فان اردنا كشيعة وكرد وسنة ان نعيش سوية في عراق ولد قبلنا وسيبقى بعدنا.. وان اردنا كعرب وكرد وفرس وترك ان نعيش سوية في منطقة لننعم بخيراتها، فلابد من تأسيسات حقيقية تقوم على قواسم مشتركة، وتلبي طموحات ومنافع كل منا.. وذلك يتطلب اسقاط الافكار الخاطئة المنغرسة في عقولنا في ان بعضنا سيهزم البعض الاخر. جميعنا سيبقى هنا.. فلنجعل من مآسينا وموتانا وقتلانا وما تكبدناه في تاريخ مشحون بالخلافات والانانيات ذخيرتنا.. لوعي حقيقي سيفرض نفسه لا مفر، يقوم على المشتركات والمنافع المتبادلة لنكمل، لا لنفني او ننفي، بعضنا. عندها سنحاصر التقسيم بالاتحاد.. ليس في اطار العراق فقط، بل في اطار المنطقة كلها.. ولتسبح الهويات في نهر مشترك نغترف منه جميعاً.
سيقولون هذا جنون واحلام.. وهم محقون في هرطقتهم التي لا تمتلك سوى الحنين لنظم هزائمنا ومخاوفنا ووعيها المزور.. ونحن نطمح لنظمٍ تنتصر فيها امالنا ونحقق فيها مطامحنا.. فالحلم، او ما يبدو في لحظة ما جنوناً، هو بالضرورة مقدمة لحقيقة لا مفر من ظهورها.. ينشد درويش: "حاصر حصارك بالجنون وبالجنون.. ذهب الذين تحبهم.. ذهبوا.. فاما ان تكون او لا.. لا تكون".
عادل عبد المهدي