احدهما : أن تكون واضحة لا لبس فيها ولا غموض .
الثاني : ان تخدم المصلحة ألعامه ،لا مصلحة فرد دون فرد او أمه دون أخرى…
لذلك حين يكون الثبات على المبادئ هو المقوّم للأشخاص والأمم والشعوب في السعي نحو أي هدف فأنه لا يتحقق إلا بالفداء والدم ..وحينما يتعلل التاريخ على ساحل الدم ليصنع أفذاذ البشر أو تنبثق صفحاته من بين ركام المأساة من اجل ألا يكون هناك ظالمون يديرون مُداهم ناحرين رقاب الأحرار وعندما يصل الأمر الى تجاوز الثوابت او ما يسمى الخطوط الحمراء لأُسس أي كيان او مذهب ..فلا بدّ ان يخرج قائدا ويعلن حالة الطوارىء والاستنفار لأمته ويكون مقداما مضحيا في سبيل مشروعه سواء كان إصلاحيا او كان خروجه تعبيرا لرفض الواقع ..
والتاريخ مليء بالشواهد لكن، ولكن هنا هي فصل الخطاب نعجز عن العثور على ثوره تضاهي ثورة الإمام الحسين (ع) إلا اذا كانت ثورة جده وأبيه من قبل …)
إن ثورة الإمام الحسين قد حفرت في مجرى الحياة جداول تصب فيها روافد الخير ،لا للامه الاسلاميه فحسب ،بل للأسرة الانسانيه جمعاء ،حيث أنها غيرت مفاهيم الناس وأفكارهم تجاه الحياة الانسانيه ،بالإعلان عن هدفها النبيل …
ثار الإمام لتعرف الأمه ان هؤلاء الذين جلسوا على دسّت الحكم ،لا يمثلون مصدرا من مصادر التشريع ،فلا يحق للامه أن تتخذ منهم قدوه تسير وراءها، ولولا هذا الموقف من الحسين (ع) لكان الاسلام قد تحول الى مجموعة أعمال اقتبسها الناس من سلوك هؤلاء القاده المنحرفين ، فاحتلت سنتهم مكان سنة رسول الله صلوات الله عليه وعلى اله الأطهار …
في ظاهر الأمر إن الانحراف عن الرسالة المحمدية بقي فكرا مجرّدا لا تجسده الأحاسيس حتى على الرغم من الإصرار الأموي في إيجاد قواعد له في الأمة لتنفيذ ما خطّط له حزب الطلقاء …فقد كان الواقع السياسي والاجتماعي في انهيار مستمر منذ رحيل قائد التغيير الرسول الأعظم وبنو أمية ماضون في تقويض القواعد الإسلامية والبنية الاجتماعية ويعملون على مصادرة كل منجز من منجزات ثورة رسول الله اما أنصار ثورة النبي وتلامذته البعض منهم لم يتحمل ما يجري من هتك ولم يستطيعوا صبرا فجاهروا بالرفض ورفعوا راية الانتفاضة العفوية واستشهدوا أمثال ابي ذر وبن مسعود حجر وغيرهم
اما فئة ثانية فقد انتهجوا مسلكا مغايرا وبعيدا عن الشعور بالمسؤولية اعتبروا الجنة يمكن نيلها ليس فقط تحت ظلال السيوف بل تُنال الجنة عن طريق أكثر سهولة واقل نصبا عن طريق الزهد والعبادة واعتزال الناس وممثل هذه الفئة عبد الله بن عمر فكان موقفا سلبيا غريبا من مجموعة قد تربّت بين يدي رسولها الثائر في مدرسة الإسلام وأدركوا معاني الجهاد والتضحية في سبيل الحق فجلسوا في المساجد وسراديب البيوت في حين إن الأمة تتلوّى تحت سياط بني أمية.. لكن أيديهم ملوثة بدماء الأبطال لأنهم كانوا يعون المسؤولية ويمتلكون القدرة على تشخيص الموقف فقد اعتزلوا المعركة وتركوا الأمة وأحرارها في معترك عسكري وعقائدي واجتماعي
وفئة ثالثة قد باعوا ماضيهم وانتهوا إلى الدعة والراحة في قصر آل أمية يقبضون الأموال ويتقاضون الرشاوى على منوال أبي هريرة وبن العاص اخذوا يدعمون حكم معاوية ويلفقون الأحاديث على رسول الله ..
فالحسين انسان قد بلغ الكمال ،كما يريد الإسلام فكل حركه من حركاته ،يتمثل فيها تحرك الإسلام ،فهو مرآة الإسلام الصادق، وكتاب الله الناطق .
لقد رأى الإمام أولئك الذين كانوا بالأمس يحاربون الحق ،قد صاروا حماة الدين الجديد ،وأدعياء حماته ،وأصبح جيش الإسلام مرتزقا من بعد ماكان مجاهدا ،فالذي حرك الأمام الى إعلان ثورته هو أن يفصل هذه القيادة المنحرفة عن الإسلام …ثار الامام الحسين (ع) من اجل تحرير الانسان من قيوده ومن ربقة الذل والخنوع ،وتحرير الاسلام من حماته….. فلم يلجا كغيره الى الدعايات الكاذبه والشعارات المضلله …انه كان يريد الوصول الى الحق لكن لا من طريق الباطل ويريد اقامة موازين العدل لكن لا من طريق الجور …فلا يريد الا الشهادة والتضحية ،لإحياء القلوب الميتة ((فمن لحق بي فقد استشهد ومن لم يلحق بي لم يبلغ الفتح… ولقد نجح الامام الحسين في الوصول الى هذا الهدف من حيث ان الأمه كانت تعرف مكانة الحسين ،وهكذا احدث الامام الحسين هزة عنيفة في نفوس الامه المغلوب على امرها فقد توالت الثورات من بعده وتكاثرت وتحولت ثورة الامام الحسين الى فكرة قد تجسدت في ضمائر الشعوب …فقد خرج الامام الحسين والظرف الرهيب الذي تعيشه الامه الاسلاميه خرج عندما رأى مسجد جده كعبة إبراهيم الخليل قد قُيّدت بقيود النمرود خرج عندما رأى آمال الفقراء والجياع تُساق سوق العبيد إلى قصر الخضراء في الشام خرج ليعلّم الإنسان ان الموت هو مصير كل ذليل يصافح العار لكي يعيش وان من لم يستطع اختيار الشهادة سيختاره ..
خرج الحسين بوجوده ودمه ليشهد محكمة التأريخ على شاطئ الفرات لقد وقّع بدماءه في يوم كربلاء على ميثاق وعهداً مسؤولا لا بقاء لظالم ولا بقاء للظلم
ويعلم الانسان الحر كيف يعيش وكيف يموت ..فقد ذاب بقيم الإسلام في سبيل الله فأحياه الله مع الزمن وجعل له لسان صدق في العالمين
فكان الحسين هو الرجل وهو البطل والشهيد والشاهد فحمل القضيه والشهادة والعطاء …
واصبحت تلك الثورة ميزانا يوزن به الحق من الباطل وصارت نبراسا للمؤمنين في كل مكان وزمان
فهو محطة انطلاق للأحرار والثائرين وليس ميناء للوصول