توطئة
مع المتغير السياسي في عراق ما بعد ٢٠٠٣ ,وما انتج من مذهبية سياسية اتسمت بالطابع الديمقراطي في آلية التداول السلمي للسلطة مما حدى بان تكون صناديق الانتخابات الناطق الشرعي والفيصل الأساسي في تحديد القادم الى منصة التمثيل الجماهيري سوءا على المستوى النيابي أو الخدمي في المؤسسة السياسية العراقية, وهو ما اسفر عن دورتين تشريـعية في إطار الممارسة الانتخابية في عامي ٢٠٠٥ و٢٠١٠, وما انتجت من نسخة سياسية في تاريخ الحكم السلطوي العراقي الا انها قد جذرت أسس ودعائم المنهج الديمقراطي بصورة عملية عل ارض الواقع, ومع الوصول الى النسخة الثالثة من الانتخابات النيابية لعام ٢٠١٤ حتى يبدأ موسم التنافس الانتخابي مابين القوى السياسية من اجل العبور من فوهة الصندوق الانتخابي بأكبر قدر ممكن من الأرقام النيابية في الانتخابات النيابية لنيسان ٢٠١٤ .
ومع تأكل الزمن ودوران العقارب في الاقتراب من موعد الانتخابات يحتدم المشهد أكثر فأكثر وخصوصا ان الظرفية السياسية التي يدورفي فضاءها المشروع العراقي متزاحم الإحداث والتحديات التي تكتنف واقع سلاسة وانسيابية سير العلمية الانتخابية القادمة, وهو ما يضع العراق كرقم انتخابيا في سلة القراءات المتعددة التي تحمل في سطورها أكثر من اتجاه واحتمال, فأذا ما التفتنا الى الأرشيف الانتخابي القريب نلحظ ان شكل النظام السياسي المنتخب لم يخضع الى منطق الصوت الانتخابي بالشكل النمطي المتعارف عليه في الدساتير المعتمدة في الأنظمة الديمقراطية , ولذا نجد أن التوافق والمحاصصة كانتا صاحبتا السيادة في العنوان الرئيسي للتركيبة الحكومية العراقية وهو ما انسحب على مستوى الأداء الحكومي في الجانب التشريـعي والتنفيذي, وهنا تكمن العقدة القائمة في القادم الانتخابي وكيف سيكون المزاج السلطوي النافذ من الدورة التشريعية الثالثة, وللخوض في تفاصيل الطابع العام لحركة الانتخابات والمذاق الجماهيري الذي يحدد ماهية الصوت القادم لابد من التوقف عند بعض النقاط التساؤلية من اجل الانطلاق منها الى تفاصيل التحليل .
• ماهية المزاج العام وتأثيره في رغبة الناخب العراقي في اختيار المرشحين ؟
• نسبة التفاعل الجماهيري مع انتخابات ٢٠١٤ .
• ماذا ستغير الانتخابات البرلمانية في الجغرافية السياسية العراقية ؟
• هل ستجري الانتخابات البرلمانية في موعدها المحدد ؟
• الانتخابات التشريعية ٢٠١٤ . استنساخ ام إصلاح؟
ارادة الناخب وصراع القوى
مع حلول ٢٠١٤, يكون العراق الانتخابي قد وصل إلى أعتاب الانتخابات التشريعية الثالثة وبواقع زمني كل أربع سنوات وكما هو متفق عليه في الفقه الدستوري العراقي ما بعد ٢٠٠٣, غير انه ومع انقطاع الأشواط واجتياز التجربتين السابقتين نرى ان الاجواء السياسة التي صنعت مراسيم الانتخابات اسهمت بشكل كبير في التأثير على نتائج ومضامين ما افرزتة تلك الانتخابات , فأذا ما استدرنا قليلا الى الوراء وتوقفنا عند الانتخابات التشريعية الاولى والتي جرت عام ٢٠٠٥, سنجد ان الظرفية الزمنية التي احتضنت وحركت الشارع العراقي قد أسست لمزاجات جماهيرية باتجاهات معينة,وحقيقة اننا لايمكن الاحاطة بحركة الناخب والمنتخب دون الرجوع الى المعطى والمدخل الذي انتج الحكومة العراقية المنتخبة في نهايات عام ٢٠٠٥, فطبيعة الواقع السياسي فرضت ان تكون الورقة الانتخابية تتجه بعنوان الهويات الفرعية على حساب العنوان الوطني, فأصبحت السمة الطائفية هي الشكل الاكثر ظهورا, والحقيقة ان طبيعة الانتقال من حكم شمولي الى حكم ديمقراطي مع تغير الجهات الماسكة للسلطة ماقبل سقوط النظام عام ٢٠٠٣ وما بعد ذلك التاريخ , وضع العراق في خندقين لا ثالث لهما , وان اعتلت بعض الاصوات المدنية غير انها كانت لاترقى الى درجة التأثير في اذابة جليد المعسكريين, فنتائج انتخابات كانون الاول ٢٠٠٥ , والتي بلغت نسبة المشاركة فيها ٥٩% وضعت الائتلاف العراقي الموحد وهو الممثل الشيعي السياسي في ١٢٨ مقعدا, فيما نجد ان المنافس الانتخابي الذي أفرزته النتائج هو الطرف السني السياسي والذي توزعت نتائجة في ثلاث قوائم وبواقع٤٤ مقعد لجبهة التوافق الوطني , و١١ مقعدا لجبهة الحوار الوطني , و٢٥مقعدا للقائمة العراقية الوطنية , مع ان الأخيرة وان كانت تحمل في عنوانها الخارجي الطابع العلماني الليبرالي إلا أن مضمونها الأيدلوجي لاينفك من رحم البيت السني , مع الالتفات الى ان البيت الكردي السياسي والمتمثل بالتحالف الكردستاني حمل من تلك النتائج معه الى اربيل ٥٣ مقعدا , والحقيقة ان تلك الأرقام تبين بشكل واضح طبيعة المزاج العام في حركة وحراك الجماهير في اختيار ممثليهم والكيفية التي يفكر بها الشارع العراقي في انتقاء الرموز والمسميات, فمناطق الاشتعال السياسي وطبيعة المرحلة جعلت ناتج القسمة الإجمالي من سير العملية الانتخابية في قراءات مذهبية وطائفية وقومية, ومع انقضاء أول دورة تشريعية , وما تزامن معها من إحداث مفصلية وخطيرة والذي يأتي في مقدمتها تفجيرات العسكريين في سامراء عام ٢٠٠٦, مما وسع في هوة الفجوة الاجتماعية في التركيبة العراقية , فضلا عن الاشتغالات الإقليمية والدولية التي كانت تغذي وتدفع باتجاهات مذهبية وقومية, وبالتالي فان عقلية الناخب العراقي بمجمله العام لم يخرج من ذلك الإطار, لذا فأن العراق استقبل الانتخابات التشريعية لعام ٢٠١٠ بمزيد من التأكل الاجتماعي والشرخ الوطني, وبدأت الانتخابات في معظم سيرها قائمة على إشهار البطاقة الشخصية دون مراعاة وتوقف عن البحث عن الأفضل اداءا, وهو ما انسحب على مستوى الكفاءة الحكومية في اداراة مفاصل المؤسسة العراقية, فنتائج الانتخابات والتي كانت فيها نسبة المشاركة وطبقا لما أوردته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ٦٢%, قد افرزت تكتل شيعي وفي الكفة المقابلة له تكتل سني , فائتلاف دولة القانون الذي حصد ( ٨٩ ) مقعدا , والائتلاف الوطني صاحب الـ( ٧٠ ) مقعدا قد عادا مجددا تحت خيمة التحالف الوطني فيما بقي التكتل السني متمثلا بالقائمة العراقية ذات الـ٩١ مقعدا, في كفة الميزان الأخرى, غير ان المرحلة التي تلت إعلان نتائج الانتخابات باتت متفاقمة الأزمات وأكثر حدة في طبيعة ونوع الصراع ما بين القوى السياسية , فهي مرحلة ارتكزت في تداعياتها على أكثر من مخرج ,تمثل في انسحاب الاحتلال الأمريكي من العراق ٢٠١١, وإصدار مذكرة إلقاء القبض على الشخص الأهم في المكون السني السياسي طارق الهاشمي , ومن ثم الإحداث التي ضربت الخارطة العربية بما يسمى بالربيع العربي والتي جرت في تفاعلاتها المزيد من الأزمات الداخلية والتحديات على مستوى الصناعة السياسية في العراق .
من جانب أخر ان ضعف الأداء التنفيذي والتشريـعي والذي انعكس على الكثير من المفاصل الأمنية والخدمية والإدارية والاجتماعية مع ما ذكرناه أعلاه, وضع الناخب العراقي في حالة من الانكسار وخيبة الأمل في الفائدة المرجوة من غطس الأصابع في الحبر البنفسجي, وهو ما انعكس بشكل واضح في انتخابات مجالس المحافظات في نيسان ٢٠١٣, والتي كانت نسبة المشاركة فيها اقل من ٣٦% .
ارادة الناخب وتحديات المرحلة..
اولا :
و بشكل عام ان الانتخابات التشريعية المزمع إجراءها في نيسان ٢٠١٤, وحسب ما أعلنت عنه مفوضية الانتخابات بعد مصداقتها على الكيانات والائتلافات السياسية المشاركة في الانتخابات والبالغ عددها ٢٧٦ كيان ,فهي من حيث الشكل والتوزيع لم تختلف كثيرا في نسقها العام عن النسخ الانتخابية السابقة , غير ان جوهر الاختلاف ربما ينصب في شكل الإلية المعتمدة في الانتخابات لحساب عدد الأصوات والمتمثلة بنظام سانت ليغو المعدل, والذي يصب في حساباته الرياضية لصالح الكتل الكبيرة والمتوسطة , وهو ما يعزز من بقاء الكتل الرئيسيةالكبيرة في منصة التنافس الانتخابي والتي ابرزها ائتلاف دولة القانون وتيار شهيد المحراب والتيار الصدري كقوى شيعية , وكتلة متحدون والقائمة العراقية والحوار الوطني كقوى سنية , والتحالف الكردستاني باطرافه الرئيسية الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني وحركة التغيير والبقية الاخرى كقوى كردية, فبالرغم من ان هنالك الكثير من القوى والكيانات السياسية الجديدة في رحم الانتخابات القادمة الا انها لاتشكل نسبة مؤثرة في مجمل الواقع التنافسي لسببين رئيسين , ان المرحلة الآنية في توجه الجماهير تدور في معظمها نحو جذر الطائفة والقومية وهو نتاج لمرحلة ماضية وكما أسلفنا في بداية التحليل ان هنالك قوى وإرادات داخلية وخارجية تشتغل على تلك الورقة مما أفضت بأدلجة الناخب العراقي دون ان يلتفت او يشعر بذلك , من جانب أخر ان قانون سانت ليغو المعدل يغازل الكبير والمتوسط ويغظ النظر عن الصغير من الكتل.
ثانيا :
كنقطة إحاطة بجانب اخر من الموضوع , ان الكثير من الكتل لم تستطع ان تحافظ على منسوب قاعدتها الجماهيرية ولهذا قد سعى الكثير منهم الى محاولات أصلاح وترميم في داخل البيت الحزبي من خلال استقطاب شخصيات كفوؤة ومستقلة وزجها تحت عنوانه العام بعد ان أسدلت التجربة التشريعية الماضية الستار عن الكثير من الأسماء التي باتت لايتقبلها الشارع العراقي مجدد , ولذلك فأن تلك الإصلاحات قد تسهم بالعودة مجددا بصناع تلك الكتل الى المعترك التنافسي مجددا.
ثالثا :
ان الناخب العراقي يتفرد بخصوصيات ربما لايتشابه معه فيها الناخب الأخر من بقية الأنظمة الديمقراطية في العالم, فالناخب العراقي دائما ما يغادر قيد العواطف والمنطق المزاجي في اختيار الناخب ولذلك نجد ان السواد الأعظم من المجتمع العراقي يعتمد في تأشيرة إعطاء الصوت على فلسفة العقيدة والمذهب , وحقيقة وكما أسلفنا أعلاه ان ذلك التوجه إنما هو نتاج مرحلي سياسي ناتج عن طبيعة التحول الديمقراطي في العراق, مع الالتفات ان منسوب ذلك الاختيار ربما ترتفع حظوظه وتارة تنخفض مناسيبه في مقاطع زمنية أخرى وحسب ما تفرزه الإحداث, غير انه يبقى كمعادلة حسابية مؤثرة في بوصلة حراك الناخب نحو الصندوق ضمن التوجه العام في طبيعة العقل الجمعي العراقي .
رابعا:
المحصلة التراكمية لواقع التجربة الانتخابية في العراق بشكل عام بدءا من عام ٢٠٠٣وصولا الى انتخابات مجالس المحافظات في نيسان ٢٠١٣, نستطيع القول إن الناخب العراقي وبعد اجتيازه ست ممارسات انتخابية , نجد ان الإخفاقات وطبيعة الصراعات التي اعتلت فوق سطح المشهد السياسي العراقي فرضت في انحسار القوى الإسلامية المتشددة في المشهد الانتخابي القادم , لتصبح النسخة الإسلامية أليبرالية هي الأقرب الى ما يطمح وينشد إليه المواطن العراقي.
خامسا:
مساحة الصوت المدني في الخارطة الانتخابية لعراق ٢٠١٤ , لايمكن لها ان تشكل رقما محسوس التأثير في قاموس القوى والكيانات السياسية العراقية بمفردها, ولذلك نجد الكثير من القوى المدنية بدأت بالالتحاق بالعناوين الحزبية الكبيرة وان كانت إسلامية, مع ملاحظة ان العلاقة ما بين الطرفين هي في مجملها العام علاقة نفعية وليس تقارب أيدلوجي, فالقوى السياسية الكبرى تحاول ان تناغم الشارع العراقي انتخابيا من خلال المزاوجة والتوليف المتنوع لشخصياتها, وفي الجانب الاخر ان البيت المدني يحاول ان يمد ويمتد في أذرعته الى مساحات اكبر من خلال عباءة الكبار.
سادسا :
ما يجب الالتفات له في المرحلة الواقعة في اعتاب إجراء الانتخابات التشريعية والمتمثلة بالمعارك الدائرة ما بين الحكومة العراقية وقوى الإرهاب في ارض الانبار , انها قد تسهم في تعكير صفوة الانتخابات وليس تعطيلها او دفع توقيت اجراءها, فضلا ان تداعيات مايجري من مواجهات ربما سيسهم في انتاج قراءات جديدة تسهم في تغير حركة الناخب العراقي ولكن بشكل طفيف.
اعداد: قسم الدراسات والبحوث في مؤسسة وطنيون الاعلامية