والدستور بمبانيه وفلسفته ينحو بعيداً عن الاقتصاد الريعي واحتكار الدولة لموارد البلاد.. ويتجه نحو اقتصاديات السوق وتطبيقاتها حتى بالنسبة للقطاع العام الذي يجب ان يُراقب ويراقب نفسه حسب معايير المنافسة والجدوى والكفاءة القياسية. ونعتبر هذه خطوة مهمة لان تفكيك المفاهيم القديمة هو مقدمة لبناء المفاهيم الجديدة.
لكن ما هو واضح من حيث الخلفيات الفكرية مناقض تماماً لممارسات الواقع.. ولا نبالغ ان قلنا بان اهم عائق امام الاستثمارات والتقدم الاقتصادي هو الفساد والاحتكار المتزايد للدولة، وضوابطها وتعليماتها التي تعارض تماماً مبادىء الانطلاق.. وتفرز على ارض الواقع ممارسات مضحكة/ مبكية لا تدمر القطاع الاهلي فقط بل القطاع العام ايضاً. وهذه رواية عن مسؤول عراقي كبير، كمثال للفساد وسوء الادارة.
يروى ان مسؤولاً عراقياً كان في زيارة للولايات المتحدة.. سأل المسؤول العراقي المسؤول الامريكي.. كيف تستفيدون انتم كمسؤولين من العقود المنفذة.. فيجيبه الثاني.. خذ مثلاً المشروع الذي امامك وقد كلفنا مليار دولار.. قومناه (١.٥) مليار دولار، فاستفدنا نصف مليار.. ثم سأل الامريكي زميله العراقي.. وانتم كيف تعملون.. قال العراقي اترى هذا المشروع.. فقال الامريكي اي مشروع!! فاشار العراقي الى فراغ، وقال هذا كلفنا (٥) مليار دولار.
وكلام المسؤول العراقي معبر حتى وان كان من باب النادرة.. اذ يرد في الموازنة المقدمة لمجلس النواب النصوص الاتية.. "تشير الدلائل الى وجود قائمة طويلة للمشاريع غير المنجزة في سجلات الوزارات والمحافظات بحيث يوجد حوالي اكثر من ٦٠٠٠ مشروع غير منجز تقدر تكاليفها اجمالاً بـ ٢٢٨ ترليون دينار عراقي"(ص ١٢).. "وجدت المراجعة التي اجرتها دائرة المحاسبة في وزارة المالية تراكم مبلغ (٧٧) ترليون دينار عراقي من السلف ويعود تاريخ بعضها الى عقود ماضية والاخرى سحب مكشوف يقدر بـ (١٠) ترليون دينار عراقي اطلقت بدون وجود تخصيصات لها في الموازنة"(ص ١٦).. "تتراكم الالتزامات المالية المباشرة وغير المسددة كالقروض الممنوحة من مصرفي الرشيد والرافدين للشركات العامة وسندات الخزينة المودعة لدى مصرفي الرشيد والرافدين.. التي تصل الى اكثر من ١٠ ترليون دينار عراقي"(ص ١٧).