غالباً ما يرتكب الحكام الجدد اخطاء بل جرائم كبيرة.. ويتناسون ان التغيير تطلب عقوداً قبل النجاح، وجهوداً وتضحيات وتعلم اشياء كثيرة كانت مجهولة.. وبناء كوادر وتسويات واجراءات معقدة قبل ان يجدوا الزخم الكافي، والقوى المطلوبة، والمعادلات الصحيحة لانتصارهم.. ويتصورن ان الادارة والدولة لن تتطلب سوى اعلان بيانات، وتعيين محازيبهم ومناصريهم.. متوهمين ان الجماهير التي ايدتهم واستقبلتهم استقبال الفاتحين ستبقى معهم.. ولن تطالبهم بانجاز وعودهم.. فيصابون بالغرور، ويلجأون لسياسات حرق المراحل والعدوانية والازمات.. ويصبح دفاعهم عن مواقعهم في السلطة، اهم من تطبيق مناهج الاصلاح الحقيقية.
سيطرح التغيير وثيقة دستورية لن يتم القبول بها دفعة واحدة.. بل ستختلف الاراء حتى يستقر الحال تدريجياً.. وسينتشر الفكر الذي تحرر من الكبت، وسيرفض ولو فوضوياً فكر التسلط والاستبداد.. وستجري الانتخابات التي ستعتورها الكثير من الثغرات، لكنها ستسمح بولادة شرائح سياسية وقوى جديدة.. ورأي عام اكثر خبرة وادراكاً. سيقارن البعض بين الحاضر والماضي ويحن لبعض ايجابياته، متناسين كلفه وسلبياته.. فما ولى اعطى ما لديه وانتهى، واسقطته انحرافاته وظلمه، وهذه سنة الحياة.. ولابد من التقدم الى المستقبل لاحياء روح التغيير والاصلاح.
يقول البعض ان كان السيد السيستاني يعطي الارشادات فلا يستمع له الحكام، فستحصل الانحرافات.. واذا استمعوا وطبقوا كلامه، فسيكون الحكم دينياً.. فالامام السيستاني عندما يطرح الارشادات فاحكامها عقلية قلبية، لا قسر فيها.. فهو يترك الحرية للمواطنين.. وهذا هو الشكل الارقى للدفع بالاتجاهات الصحيحة.. كما في الانتخابات. فالوقوف مسافة واحدة لا يعني ان يساوي الناخب بين الناجح والفاشل.. والفاسد والمصلح.. ومن استغل المنصب ومن لم يستغله.. ليؤكد ان البلاد بحاجة الى التغيير والى تداول سلمي للسلطة. فالامام السيستاني لا يتدخل في الانتخابات، بل يعطي ارشاداته المطابقة للمبادىء الاساسية والحقوق والحريات الواردة في الدستور.. فمن لم يستمع له في المرات السابقة فلعل اخطاء التجارب وحصيلتها تجعله اكثر استعداداً للاستماع والتطبيق الان. مثل هذه المواقف، الملازمة بالضرورة مع مواقف اخرى، ساهمت وستساهم في بناء الرأي العام.. الحصانة الرئيسية لتجاوز اخطاء وانحرافات الماضي والحاضر، ولاحداث التغييرات، ولبناء دولة المؤسسات والمواطن.