دون استباق لنتائج الإطاحة بعدد من المرشحين للانتخابات ، ينبغي الانتباه جيدا إلى أننا أمضينا السنوات الاربعة الماضية بأيامهما ولياليها في متابعة دراما تفتقر الى الدهشة والمتعة، حيث عشنا فصولا من الهزل مع قرارات وخطوات كان القضاء يصر فيها على نصرة السلطة التنفيذية الممثلة في السيد نوري المالكي رافعاً شعار "انصر مكتب رئيس مجلس الوزراء حتى وان كان ظالما ومتجاوزا على القانون"، فأصبحت قرارات مكتب رئيس مجلس الوزراء وبفضل قرارات بعض القضاة، عنوانا لـ" العزف " على القانون، وجعلت من نواب لا يفقهون في القراءة الخلدونية خبراء في الاقتصاد يطردون خبيرا بوزن سنان الشبيبي من البنك المركزي، وقبل ذلك قدمت هذه العدالة نموذجا سيئا لحياد ونزاهة القضاء حين أصرت على منح شهادة حسن سيرة وسلوك لمشعان الجبوري ، فيما خرجت علينا ببيان ثوري تعلن فيه ان " المجرم " مثال الالوسي خائن لتراب الوطن وتاريخه ، لانه حاول ان يناقش سياسات "القرقوشية" لمكتب المالكي.
إن التجاوز على سلطة مجلس القضاء الأعلى مرفوض ومدان ونقف جميعا ضده، ومع ان القضاء ومنذ سنوات احب لعبة الاشتباك مع السياسة، الا ان ذلك لا يمنع من تأمل ظروف وملابسات الإطاحة بعدد من المرشحين للانتخابات، ولماذا تم فتح ملف اجتثاثهم في هذه الايام بالذات، خصوصا ان هذا القرار يأتي عقب قرار سابق منح صك الغفران لعدد من المرشحين على قائمة ائتلاف دولة القانون.. ناهيك عن تصاعد منسوب التوقعات من ان كل من سيقف في وجه رئيس الحكومة، سيحال الى قائمة "الممنوعات".
كان يقال: إذا أردت أن تدمر بلداً أطلق على قضائه رصاصة الانحياز، ولهذا فاننا في الوقت الذي ندين فيه الاعتداء على استقلالية القضاء ، بالقدر ذاته ندين كل محاولات صناعة سلطة تنفيذية مستبدة، وافتعال قوانين وإجراءات تمكن البعض من السيطرة على مقدرات البلاد.
للأسف يحتاج قضاؤنا إلى مزيد من الهيبة، أو على الأقل إلى القليل منها، فقد أمضى السنوات الأخيرة وهو يرفع سيف الدفاع عن السلطة التنفيذية ويجد لها المبررات القانونية لابتلاع كل مؤسسات الدولة!
العدالة الاجتماعية على الأرض هي حكم القانون، شرط أن يكون عادلا، وحكم القضاء شرط أن يكون نزيهاً، الديمقراطية تعطي الحق للبعض لكنها لا تلغي حق الآخرين، ولعل أفضل ما في القانون أن تكتب بنوده بلغة يفهمها الناس، لا الغاز ولا "حزورات "، لأن أمام القانون يجب ان لا يكون هناك فرق بين مَن كان ينوي السرقة ، والسارق.. لأن الفرق يحوِّل القضاء من سلطة مستقلة الى مجرد "حارس" أمام باب رئيس مجلس الوزراء.
اليوم يجد الناس أنفسهم وبفضل قرارات القضاء أمام حالة انتقائية صارخة في التعامل مع القانون الذي يشهرونه في وجوهنا طوال الوقت إذا قلنا بأن الحكومة مقصرة في واجباتها تجاه الناس وإنها تسير في طريق العدم بأقصى سرعة منذ سنوات. السؤال الذي أطرحه على السادة اعضاء المحكمة التمييزية الخاصة بالانتخابات هو: كيف سيصدق الناس أن قضاة يتنازلون عن حق المواطن في محاججة المسؤول ومحاسبة المسؤول المرتشي والسارق، يمكن أن يكونوا حماة للقانون ومقاتلين أشداء من أجله؟ عندها فان الناس لا يمكن لهم بعد ذلك أن يثقوا بقضاء تحركه دوافع ونوازع سياسية، فضلا عن أن هؤلاء الناس أنفسهم يدركون جيدا خطورة أن يخضع القضاء لتأثيرات جهة سياسية معينة.. لأن الراسخ في أذهان العراقيين أن أولى بشائر الديمقراطية في العراق كانت في الإعلان عن تشكيل قضاء يقف إلى جانب الصدق والحق والعدل، وبناءً عليه ندعو الله صادقين أن يكون تفسير قرار المحكمة التمييزية بحسن سيرة وسلوك مشعان الجبوري وعالية نصيف صحيحاً، وان " المشتبه بهم " صباح الساعدي ومثال الالوسي يستحقون الرجم في ساحة التحرير ، والاهم أن يخرج القضاء ظافراً منتصرا.
كان الناس يتوقعون أن يُسهم القضاء في مساعدتهم على دخول المستقبل، وبناء دولة تقوم على أساس حق المواطنة لا حق الساسة، وعلى العدالة والمساواة لا على توزيع صكوك البراءة والنزاهة بين الأصحاب والأحباب!
وقديماً قال الفيلسوف جون لوك: حينما تنتهي سلطة القانون تبــدأ سلطة الاستبداد.