نزل خبر استشهاد الزميل الدكتور محمد بديوي علي كالصاعقة التي تحتاج الى زمن كي تصدق بمرورها عليك، فقد كان واقعا كالفنتازيا فـ محمد بديوي شاب عصامي مهذب نشيط يعشق عمله في المجال الاعلامي ومن اجل عشقه هذا دخل كلية الاعلام وتميز بسعيه الحثيث لحرق المراحل اراد ان يسبق سنوات دراسته ليكون صحفيا كاؤلئك الصحفيين الذين صاروا درسا في الكتب المنهجية او الثقافية، واثقا بنفسه وبقدرته الصحفية وبثقافته الجميلة، حين درس الماجستير لم يترك العمل في الصحافة وحين سالته الا يؤثر عليك العمل فالدراسة تتطلب تفرغا كي تتمها فقال عملي جزء من دراستي وكلاهما سهلان وحين انتقل الى مرحلة الدكتوراه اعدت عليه نفس السؤال فاعاد علي نفس الجواب مع اضافة انني الان اكثر قدرة على تبسيط العمل وجعله اكثر اقناعا.
محمد بديوي وامثاله من العصاميين المخلصين لمشاريعهم كان على الحكومة ان تحتضنهم وهم احياء لا ان تتبنى المطالبة بثأرهم وهم جثث مددة على الاسفلت، مات هذا المكافح النبيل بفعل رصاصة من حديد اصم خرجت من مسدس ابكم امسكت به يد يقودها عقل غبي سوغت له الفوضى العارمة التي تجتاح البلاد ان يضغط على الزناد وهو يحسب ان سيسقط من جراءها قتيل يضاف الى اعداد القتلى الذين يموتون كل يوم بالمجان في بلادنا ولم يلتفت الى ان هذا الفعل العادي في بلادنا سيتحول الى خبر على كل الفضائيات الموالية منها و المناوئة، لم يلتفت الى ان هذه الضغطة ستكون اكسسوارا على لافتة انتخابية لهذا السياسي او ذاك، كان وراء اليد التي ضغطت الزناد عقل غبي لم يدرك ان للتوقيت دوره في التهدئة او التصعيد فصار محمد بديوي بذلك (مانشيت) على السن اؤلئك الذين لاكوه بوعي او بغير وعي ليصنعوا بهذا رايا عاما غاضبا على عمليات القتل التي تطال الصحفيين ولم يلتفتوا الى ضرورة التعامل مع القتول الاخرى بنفس الطريقة التي تم التعامل بها مع مقتل بديوي لا ان يهتفوا ضد هذه الحادثة ويغمضون العين على الحوادث الاخرى كما لم يلتفتوا الى اهمية ادانة الجهات و الشخصيات التي عطلت تشريع القوانين الحامية للصحفيين الى جانب تنفيذها، ليتحول هذا النحيب الى فعل ايجابي فـ محمد بديوي لم يمت بفعل الرصاصة وحدها بل مات بفعل تلك الرصاصة الغادرة وبفعل اهمال الحكومة للاجراءات الكفيلة بالحيلولة دون سقوطه بنيران الاستهتار واستسهال القتل، لذا لنلتفت جميعا الى اهمية تشخيص الخلل الحقيقي الذي ادى الى سقوط المئات من ابناء ورجالات هذه المهنة الشريفة وسيؤدي الى سقوط مئات اخرى ان لم تتخذ الاجراءات اللازمة للحد من هذه الظاهرة بل والقضاء عليها، على ان اكثر ما يثير الاستغراب هو ذلك التوجيه السيء والمريع لشجب واستنكار زملاء بديوي بل وجميع العراقيين بحيث صارت هذه الاستنكارات وزنا يثقل كفة ميزان البعض ممن يسارعون الى اقتطاف العواطف لجعلها رقما يضاف الى ارقام اخرى في دعايتهم الانتخابية وطبعا ياتي ذلك هذه المرة على حساب الدماء الشريفة، فلنكن اوعى من ان ننجر الى اثارات لايستفيد منها غير الساسة الذي يقدمون حتى على اثارة النعرات القومية بطريقة بليدة واؤكد ان خراب ذات البين بين الفرقاء السياسيين هو خراب مرحلي آني مرتبط بالمصالح الجهوية والحزبية وانه سيصلح بمجرد ان تنتهي الانتخابات البرلمانية، لذا على النخب الثقافية والصحفية ان تنأى بنفسها ولا تكون محراث النار الذي قد يؤثر على مستقبل العلاقة بين مكونات شعبنا الكريم بكل تلاوينه القومية والدينية والفكرية والا فاننا سنساهم جميعا دون قصد بقتل الشهيد الدكتور محمد بديوي مرة اخى.