وتوجه كل ذلك لتصل الى نتيجه مفادها ان من يخالف او يختلف معها انما يقف بالضد من مصلحة البلد وسيادته وضد ما يمكن ان يتحقق من رفاه اقتصادي ونهوض عمراني لذا فانه يستحق في نضرها لعائن السماء والارض، وقد شهدنا ان الانظمة الديكتاتورية المتشبثة بالحكم في اغلب بلدان العالمين العربي والاسلامي سخرت حتى رجالات المؤسسة الدينية التي اثبت اغلبها مع شديد الاسف انصياعها واقدامها على تكييف الفتاوى والتشريعات وفقا لمقتضى رغبة وارادة الحاكم وبالتالي اسهمت بشكل مباشر في تطويع الشعوب وخنوعها واتساقها مع اهواء الحكام حتى في تلك النزعات التي لا علاقة لها بالمصالح العليا لهذه البلدان، الا اننا في ذات الوقت شهدنا وقرأنا ان المرجعية الدينية في النجف وعلى مر الازمان والعصور لم تمارس هذا الدور ولم تدخل تحت عباءة الحكام، الامر الذي جعلها محل غضب وسخط حكام الجور على مر الازمان فانزلت بالعلماء اشد انواع الحصار والتشويه ولعل ما جرى مع سماحة الامام السيد محسن الحكيم وسماحة السيد ابو القاسم الخوئي من محاصرة وتضييق وسماحة السيد محمد باقر الصدر وما مورس ضده من مختلف اصناف التضييق ومن ثم التعذيب والقتل وما مورس مع سماحة السيد مهدي الحكيم من تشويه واتهامه بتهم اقل ما يمكن ان يقال عنها انها تمثل وصمة عار على جباه اؤلئك اتهموه بها الا ان المرجعية الدينية بقيت محافظة على سيرتها في الصمود وعدم الانزلاق الى درك تبعية الحاكم مستفيدة مما اقرته الشريعة المقدسة في تامين اقتصادياتها التي مكنتها من الصمود وابقاء الفتوى وفقا لما تقتضيه الشريعة الشريفة بصرف النضر عما اذا رضي السلطان او لم يرض، اما في النظم الديمقراطي الاسلامية فقد حافظت المؤسسة الدينية على مستوى من الاستقلالية الا انها في الغلب دخلت كعامل ترجيح لطرف على باقي الاطراف وبالتالي فقد راهنت بموقعها على ما يقدمه هذا الطرف، الامر الذي جعلها عرضة للنقد الذي جرأ حتى البسطاء على مقامها وهو امر مبرر لان الاخفاقات انما تدل على قصور الجهات المتصدية من جهة الى جانب قصر نظر المؤسسة الدينية على ما يذهب اليه البعض، وهذا بحد ذاته تصور يؤثر على مقام هذه المؤسسات التي ينبغي لها ان تكون جهة دافعة باتجاه الاصلاح وحماية حقوق المواطنين والحفاظ على بنية الدولة من موقع يبتعد عن التموضع في خانة من خانات السلة وجلب المنافع الشخصية او الجهوية مهما كانت الذرائع ومهما ضيق عليها او تعرضت للتهميش او الاقصاء، لذا فاننا نرى ان مرجعية كانت وعلى مدى عمرها الذي ناف على الالف سنة قد وعت هذا الجانب فنأت بنفسها عن الدخول فيما يمكن ان يكون منفعة لجهة او مؤسسة ولا حتى لحكومة ولعل اوضح ما رايناه الموقف الحكيم لمرجعية النجف الاشرف في رعايتها للاطار العام للعمل السياسي في العراق دون ان تدخل لصالح جهة على حساب اخرى بل تركت الخوض في التفاصيل للساسة واحتفظت لنفسها موقع المداع عن حقوق مطلق المواطن خارج التوصيفات القومية والدينية والمذهبية، ونحن على يقين بان هناك مؤشرات لدى المرجعية على الاداءات في المفاصل سواء الحكومية او السياسية الا انها وسيرا على ما نهجته فانها لا تؤشر الا على تلك الامور التي تمس المواطن او سيادة الوطن، وهو ما حفظ لها موقعها المقدس بحيث لا يستطيع احد سواء كان محبا او متصيدا بالماء العكر ان يسجل عليها هنة هنا او هنة هناك وحفظت مكانها الراعي وكرست كونها ابا لا يجامل او يماليء على حساب الوطن وكلنا يتذكر كيف انها اعرضت عن استقبال المسؤولين حين رات ان التلكؤ بات واضحا على الاداءات الحكومية والرسمية ولكي لا يحسب موقفها عليها فيما بعد فقد اتخذت نفس الاجراء بحق الساسة وعند وضع هذا القرار في معرض التحليل فاننا نرى ان هذا الموقف انما شمل حتى الجيدين لكي لاتعطي فرصة ولو قليلة ليحسب موقفا دعما لهذا او ذاك بشكل قد يفسره البعض انه موقف داعم بشكله الصريح مما يجعلها على قدم المساواة مع العاملين في الاوساط السياسية وبالتالي فانها تخسر موقعها الراعي والابوي الذي لا يستثني احد الا اؤلئك الذين فاحت روائح فسادهم او عرفوا بالقصور في ادارة مواقعهم او بالتقصير في اداء ما كان ينبغي ان يؤدوه.
صرحت المرجعية الدينية الرشيدة في الاونة الاخيرة انها تقف على مسافة واحدة من الجميع وانها لا تدعم اية جهة ولا تدفع باتجاه اختيار جهة دون اخرى وانها اوكلت مهمة اختيار الفصيل السياسي المناسب للناخب قناعة منها بان ذلك يمثل حق حصري له وانهال اتلغي عقول الناخبين فتحل بدلا عنه وتختارهي، ولكنها في نفس الوقت اشارت على سبيل اعانة الناخبين لتحديد معايير الاختيار عبر تحديد المواصفات التي ينبغي توفرها فيمن يستحق ان يمنح له الصوت، كما انها دعت في وقت سابق الى ضرورة التغيير، ولهذه الدعوة مداليلها الكبيرة التي ينبغي للناخب ان يلتفت اليها خاصة وان التغيير بات امرا ملحا بعد الاخفاقات التي رافقت الاداءات على جميع المستويات سواء كان ذلك على الصعيد السياسي الذي شهد العديد من الازمات التي اربكت البرلمان وشلت حركته او على الصعيد الامني حيث اتضح ان زمام المبادرة كانت على مر السنوات العشر الماضية بيد الجماعات الارهابية فيما كانت موضع قواتنا الباسلة هو موضع رد الفعل نتيجة لانعدام او شحة المعلومة التي ينبغي ان توفرها الاجهزة الاستخبارية والمعلوماتية او على الصعيد الاقتصادي حيث اننا اصبحنا امام افلاس الحكومة على الرغم من الميزانيات الانفجارية التي لو قدر لبلد اخر ان يحصل عليها لحقق قفزات هائلة على كل المستويات فميزانية العراق لسنة واحدة على سبيل المثال تعادل ميزانية الاردن لما يقرب من العشر سنوات، او على الصعيد العمراني فنحن نرى بام اعيننا التقدم الحاصل في بلدان المنطقة ولم يكن نصيب العراقيين غير الحسرة والتمني، اذن العراقيين اليوم امام تحد انجاز عملية التغيير التي تتكفل بتصدي ذوي الكفاءة والقدرة على ادارة دفة الامور والمتطلبات التي تستلزمها عملية بناء البلاد بالشكل الذي يتناسب مع قدرات ابنائها من جهة ومع امكاناتها المادية من جهة اخرى.