ويأتي اللقاء بعد خروج بعض العوائل عن صمتها واللجوء للسلطات.. وكامثلة، تحدثت "دومينيك بون" عن مقتل ابنها "نيكولا" في "عملية انتحارية" في حلب بعد اشهر على مقتل اخيه في حمص.. واوقفت السلطات التركية على قاصرين (١٥ و١٦ عاماً) قبل دخولهما سوريا.. واوقفت السلطات الفرنسية ٣ شبان قبل صعودهم الطائرة المتوجهة لتركيا.. وتلقت اسرة في "لومورو" (ضاحية باريسية) اتصالاً هاتفياً يعلمها ان ابنتها المفقودة منذ اسبوع تشارك في "الجهاد" في سوريا.
بالطبع هناك عوامل لانتشار الارهاب.. ولعل الضياع والفقر وضغوطات الحياة المادية والصراعات الاقليمية والدولية والداخلية وضعف الادارات الحكومية والامنية ونقص الخدمات وانتشار التطرف والتعصب والفساد والطائفية، تساعد، بعضها او كلها، لانتشار الارهاب. لكن العامل الاهم في نظرنا هو الفراغ الكبير في الساحة الاسلامية، خصوصاً بعد انهيار الخلافة ونظريات الحكم القديمة، وحلول الطروحات الغربية وما رافقها من استعمار وتبعية وتخلف واستبداد.. والتي فشلت وانهارت بدورها.
استمرت اطروحات سد الفراغ والبدائل وسارت باتجاهين.. الاول قاده علماء كبار كمحمد عبدة والافغاني والكواكبي والبروجوردي والنائيني والبنا والحكيم والخميني والصدر والغزالي وغيرهم في الجانبين الشيعي والسني، التي وان اختلفت فيما بينها، لكنها اسست، بدرجات مختلفة وفاعليات متباينة، في اطار التواصل مع الموروثات من جهة والانفتاح مع حقائق العالم المعاصر من جهة اخرى.. يقابلها منهج "سلفي جهادي" يرفض كلياً الا العودة لنمط محدد من الموروث، ولا يأخذ من الحضارة سوى وسائل تدميرها وعدوانيتها، وبتفسير وفهم خاص، ليكفر كل ما عداه.
المنظمات الارهابية ليست مجرد منظمات تستخدم العنف، وإلا لأتهم جميع الثائرين والمصلحين بالارهاب.. فالعنف قد يكون عنفاً مضاداً ودفاعاً عن النفس. الارهاب استخدام العنف بمنطق "الفرقة الناجية، وما عداها للنار".. فوضعت نفسها، ضلالاً وبطلاناً، موضع "الحاكمية الالهية".. فالاخرون كلهم لجهنم، ولسان حالهم يقول، فلنطبق حكم الله ونحرقهم بنار الدنيا.. فنقطع رؤوسهم ونحرقهم ونجلدهم ونرسل الانتحاريين والمفخخات لقتلهم وبث الرعب واخضاعهم.
يقولون العنف ارهاب تكتيكي يعترف بغيره ويفاوض.. والارهاب عنف استراتيجي لا يعترف بغيره ولا يفاوض، كالسرطان يعيش ويعتاش بموت الاخرين، مما يستوجب استئصاله ونفيه تماماً.