إنما كان العكس تماماً, إضافة إلى تسهيل عملية الإعمار والتقدم؛ سيما إن التجربة الكردية أثبتت نجاحها الملفت..طرحنا حينها مشروع فيدرالية الوسط والجنوب والتي تمثل الثقل الشيعي في العراق, وكانت تبعات تبنينا لهذا المشروع ضخمة جداً؛ فكلنا نعرف حجم التأثير البعثي والمخابرات الصدامية في الوضع بصورة عامة, وبالفعل أستخدمت كل وسائل التسقيط والإتهامات الرخيصة ضد المجلس الإعلى..
في عام ٢٠٠٩ حدثت إنتخابات مجالس المحافظات, وكانت النتيجة هو فوز الأخوة في دولة القانون بالمركز الأول, بينما أتت قائمة المجلس بالمركز الثاني؛ عام واحد فقط هو الزمن الفاصل بين تلك الإنتخابات والإنتخابات البرلمانية..فجاء ٢٠١٠ محملاً بتفاقم الحالة المرضية لسماحة السيد الحكيم (قدس), وكان آنذاك يدعو الأخوة في دولة القانون الإلتحاق بركب الإئتلاف الوطني بغية توحيد الصفوف وعدم تشظي الأصوات..الهم الأخير والأمنية التي كان ينتظرها السيد الحكيم هو إعادة تشكيل الإئتلاف الوطني بجميع قواه..
تشكل الإئتلاف وأعلن عنه قبيل رحيل سماحة السيد عبد العزيز الحكيم بإيام قليلة؛ وبعد رحيله, وفي أثناء صلاة الجنازة في جامعة براثا, دعا السيد عمار الحكيم دولة رئيس الوزراء إلى الإلتحاق بركب الإئتلاف الوطني والحيلولة دون تشتت المواقف وضياع الأصوات؛ غير إن السيد المالكي كان يحمل رأياً آخراً..
دخلنا الإنتخابات بقائمتين, ولكن المستغرب والذي أثار أسفنا الشديد؛ هو الحملة التي قادها الأخوة ضدنا والإتهامات الظالمة والقائمة على أستنكار مشروع أقليم الوسط والجنوب وإعتباره عمالة ومحاولة لتقسيم البلد, وأتهامنا بالطائفية وبعبارات غريبة ومستنكرة؛ لم نرد عليها حينها ولم نعاتب بعدها..!
ومن الطريف إن السيد عمار الحكيم قبل الإنتخابات بأسبوع واحد فقط حذر من قيام البعض بالتزوير, وبعدها بساعات فقط خرج السيد رئيس الوزراء وأتهم من يتحدث عن التزوير بأقسى أنواع التهم قائلا: "إن الذين يتحدثون عن التزوير هم الفاشلون والذين عرفوا حجمهم مقدماً, فلا يوجد أي تزوير"..بعد إعلان نتائج الإنتخابات بساعة واحدة فقط خرج الناطقون بأسم السيد المالكي ليتحدثوا عن حصول عمليات تزوير واسعة!؟
جاءت النتائج متقاربة جداً ولم يتسطع أحداً من تحقيق أغلبية؛ فجاء السيد المالكي مطالباً بأعادة تشكيل الإئتلاف الوطني بإعتباره "سفينة النجاة للجميع", متناسياً كل الدعوات التي قدمت من قبل المجلس الأعلى سابقاً!..بهذه الطريقة كان يريدها الأخوان؛ عندما أريد أنا فعليك أن تنفذ, وعندما تريد أنت فليس من حقك مطالبتي, هذه مشكلتك!
لم نقف حجراً بوجه توحيد المواقف والقوى, بل سارعنا إلى قبول العرض, رغم يقيننا بإن الهم لم يكن عاماً بقدر ما فيه من مصالح خاصة.. حصل الإندماج, ولم يحصل التوافق على أسم المرشح, وللجميع الحق في طرح الأسم الذي يرغبون به؛ وحصلت الكثير من الأحداث الجانبية, غير إن الذي يخصنا هو إن الكثير من القوى المهمة في الساحة العراقية وأذكر منها (القائمة العراقية, والكردستانية) عرضوا علينا حكومة يرأسها مرشحنا ويستبعد فيها دولة القانون؛ غير إننا رفضنا رفضاً قاطعاً هكذا مشروع وأعتبرناه من المحظورات, أستمر العرض قائما فترة طويلة, وكان السيد عمار الحكيم قد طرح مبادرة (الطاولة المستديرة), والتي لم يتفاعل معها الأخوة في دولة القانون؛ والغريب إنهم سارعوا إلى مبادرة مشابهة, أو هي نسخة طبق الأصل من مبادرة السيد الحكيم, والأختلاف الوحيد بين المبادرتين هو أن الأولى طرحها الحكيم والثانية طرحها البارزاني, فضلاً عن كون الأولى تفترض بغداد مكاناً لعقد المؤتمر, بينما الثانية تشترط أربيل!
حضرت القوى السياسية إلى أربيل, وغاب وفدنا عن الأجتماع الخاص الذي تم به توقيع الإتفاقية الشهيرة..نحن بدورنا باركنا وقلنا (لن نقف بوجه هذه الحكومة, رغم عدم إشتراكنا بها, وسندعمها بكل قوة, رغم إيماننا بعدم قدرتها على الإنسجام والإستمرار, ونعتقد إنها ستكون حكومة أزمة) وهو ما حصل بالفعل.
أستعرت الأزمات بين المتفقين والمؤتلفين في أربيل جميعهم, وكل كان يطالب بحصته من الغنيمة, ونحن لم يكن لنا موقع في هذه الحكومة ولم نشهد إتفاقاً فألتزمنا الحياد ولم ندخل في صراعات المصالح الشخصية التي حاول البعض إختزال المذاهب بها, ورغم هذا كان الجميع يتسائل عن سبب بقائنا هكذا؟ والحقيقة هي إننا أجبنا عن هذا السؤال مسبقاً؛ حيث قلنا: (إن هذه الحكومة ستكون حكومة أزمة بإمتياز), وذنبنا هو إننا أستطعنا تشخيص الخلل وإستقراء الواقع منذ البداية, فهل عند الإنفاق على المصالح يجب إن نصالح وعند إختلافهم يجب أن نحارب من يحاربوه ويقف بوجه مصالحهم لإجل مصالحه؟!... لقد طالبنا مراراً وحاولنا جاهدين وسعينا مخلصين إلى تحويل التحالف الوطني إلى مؤسسة سياسية لا تحالف إنتخابي, لكن قدرنا هو البقاء في اللحظة وعدم تغليب المصلحة العامة..!
لم يمض وقت طويل, حتى رأينا نفس الوجوه الذاهبة إلى أربيل, تجتمع مرة ثانية, وعلى نفس الطاولة, وبنفس الطريقة, لكن ينقص المجتمعين وجود السيد رئيس الوزراء, والفرق الآخر هو إن المجتمعين هذه المرة عزموا أمرهم على سحب الثقة ممن وثقوا به قبل عام ونصف أو أقل! ودعينا من جديد, وعرض علينا أن نكون بديلاً مناسباً للجميع, وكل ما علينا هو الحضور الشكلي وتقديم أسم مرشحنا لرئاسة الوزراء والذي سيكون موضع ترحيب لجميع الكتل الحاضرة والتي تمثل غالبية البرلمان؛ وكان جوابنا قاطعا بأننا لا ندعم أي توجه يقول بسحب الثقة عن السيد المالكي أو حكومته, لم نركب الموجة ولم نثأر ولم نفكر بمصلحة خاصة, سيما إن الجميع كان يؤكد على أن وجودنا يمثل دعماً معنوياً, إذا حصل أصبح المالكي وحكومته بحكم الماضي..كما رفضنا أول مرة, كان رفضنا أشد قطعاً هذه المرة, فنحن لا نعتقد بهذه الطريقة الإنفعالية في التعامل مع الحدث, ولا يمكن أن ننصاع إلى ردات الفعل, لنا مشروعنا الذي نعتقد بقدرته على إستقامة الوضع العام وإحلال الأمن والإستقرار.. وكما أستغرب الداعون, أستغرب السيد المالكي وشكر الموقف الحريص الذي قال عنه "لن أنساه", ولكن ينسي البعض!
أستمرت الأجواء بهدوئها الذي كنا نرغب بتطويره إلى وحدة للصفوف, سيما إن الأخوة في دولة القانون أدركوا إن لا أحد يستطيع التفرد والجميع بحاجة للجميع.. كان المؤمل الدخول بقائمة واحدة في مجالس المحافظات, رغم ما لهذا القرار من تأثيرات سلبية, فالتحالف مع سلطة سابقة لم توفق في إداء واجباتها يمثل مغامرة بكل ما تحمل الكلمة من معنى..ثم صار القرار إلى تحالف يعقب الإنتخابات يتخلله وثيقة شرف إنتخابية, وهو ما حصل بالفعل, فعم الهدوء الأجواء, وكانت النتائج تشير إلى صعود تيار شهيد المحراب, والأمر الآخر هو عدم قدرة أي قائمة على تشكيل حكومة محلية دون التحالف؛ وبما إننا نمتلك تحالف وإتفاق مسبق مع الأخوة في دولة القانون, فكان الأمر بمثابة المحسوم بالنسبة لنا, وقد سعينا إلى عدم إقصاء أي قوى أخرى لها وجود في أي محافظة, وهذه كانت رغبة الأخوان أيضاً.
لقد مثلنا الحالة الوسطية التي يجتمع حولها الجميع, وهذا ما جعلنا محط أنظار وثقة للجميع, الأمر المفاجئ, هو إن الأخوة في دولة القانون تقدموا بإعتذار عن عدم قدرتهم على الإستمرار بالتحالف معنا, وذلك لوجود كتل كثيرة ضمن إئتلافهم وقيام هذه الكتل ببعض المحافظات بالتفاوض والسعي لتشكيل حكومة بدوننا!..ورغم أسفنا على إنفراط التحالف, غير إننا تلقينا عروض من الأخوة في كتلة الأحرار, وبالفعل حصل التفاهم وتم تشكيل أغلبية في العديد من المحافظات, وأنتهى تحالفنا مع القانون, ولم ينفرط إتفاقنا معهم على ضرورة توحيد الصفوف ورصها..
وللحديث بقية