لماذا يستهدف المجلس الأعلى وكتلته الإنتخابية بهذه الطريقة السمجة؟ ولماذا كتلة المواطن لا ترد بذات النهج التسقيطي بل تكتفي بطرح برنامجها الإنتخابي وتصمت عن مادون ذلك؟..بنظرة واحدة لما يحدث يتبين إن الغاية هي التسقيط الأنتخابي بغية أزاحة أكبر وأهم المنافسين والذين يمتلكون مفاتيح الكثير من حلول المشاكل المستعصية..وهنا نؤشر أمر في غاية الحساسية, وهو إعتماد تلك القوى في حملتها الإنتخابية على التسقيط الممنهج دون عرض أي برنامج قادر على تحريك الركود المرافق للعملية السياسية بجميع جوانبها الأمنية, والإقتصادية, والخدمية, والسياسية.
إن الإستهداف الذي يتعرض له المجلس الأعلى وكتلة المواطن بشكل عام, شمل جميع أنواع التهم؛ غير إن حجر الزاوية والأساس الذي أقيمت عليه تلك الحملة الشعواء, هو القول (إن تيار شهيد المحراب ترك المالكي وحيداً, وأنهم يسعون لشق الصف) فضلاً عن كلمات أخرى يخجل العقل عن التوقف عندها..لذا سنتوقف عند هذه التهم الباطلة بأستحضار التاريخ القريب, لنخرج بنتيجة حقة ونكتشف طبيعة ما يجري:
ليس خافياً على أحد الدور المركزي الذي أحتله المجلس الأعلى بتأسيس العملية السياسية؛ حتى إن البعض صار يختزلها بالمجلس وإلى وقت قريب جداً, فكل سلبياتها تلقى على عاتق تيار شهيد المحراب (قدس) ومن كان يريد معاقبة المجلس الأعلى يقوم بإستهداف العملية السياسية؛ حتى صارت صفة (أم الولد) لصيقة بنا..
ومن هنا, كان تواجد الكثير من الأخوة الأعزاء وهم معتمدين كلياً على الدور المناط بنا, ولكن للأسف الشديد تحول هذا الدور إلى موضع إبتزاز من قبل هؤلاء الأخوة, ولا زلت أتذكر جيداً كيفية أختيار رئيس الوزراء في الحكومة المنتخبة الأولى؛ إذ كان الأخوة في حزب الدعوة لم يتعد مقاعدهم عدد أصابع اليدين, ورغم هذا فقد أصروا على أن يكون رئيس الوزراء هو السيد الجعفري؛ ولكوننا (أم الولد) ولسعينا الجاد بتسيير عجلة الديمقراطية وحفظ البلد وإزالة جميع معوقات بناء الدولة, رحبنا بخيارهم ووقفنا معه..حكومة السيد الجعفري كانت موضع إعتراض من الكرد, ومواقف الجعفري كانت مثاراً لنقد بعض قيادات حزب الدعوة بداعي الأستئثار بالقرار وجعل الإئتلاف الموحد خلف ظهره, وبعدها, حدثت الإنتخابات العامة في ٢٠٠٦ وكان لنا عدد من المقاعد يفوق الأخوان بحزب الدعوة بشقيه, ورغم هذا أصر الأخوة على المنصب وحصروه بشخص الدكتور الجعفري, رغم إعتراض الكرد الشديد عليه..ثم صار الإتفاق على إنتخابات داخل الإئتلاف الوطني, وكان مرشحنا الدكتور عادل عبد المهدي يقابل الدكتور الجعفري, دخل الإئتلاف الوطني إلى جلسة الإنتخاب الخاصة وكان المؤشرات الأولية تقول بفوز الدكتور عبد المهدي؛ لكن نتائج الجلسة جاءت مفاجئة, ٦٤ صوت للدكتور الجعفري مقابل ٦٣ صوت للدكتور عبد المهدي! ورغم النتيجة المفاجئة, إلا إننا لم نقف بوجه سير العملية, وبعدها بدقائق قليلة فقط (لا تتجاوز العشرة دقائق) خرج الإئتلاف موحداً وبقيادة السيد عبد العزيز الحكيم وعن يمينه الدكتور الجعفري ويساره الدكتور عبد المهدي وأعلن عن مرشح الإئتلاف هو الدكتور الجعفري!..بهذه البساطة والشفافية والثقة كانت تدار الأمور, ولم نكن في يوم والجميع يشهد, نقدم مصلحة شخصية على عامة..جاء الرفض الكردي قاطعاً, مما سبب أزمة على مستوى تشكيل الحكومة, فكان طلب الأخوان أن يكون بديل الجعفري من حزب الدعوة حصراً!..بهذه الطريقة كان التعامل؛ فلم نعترض, أو نداعي بأن صاحب ال(٦٣) صوت هو البديل, وحينها كانت المغريات تترى علينا وعروضات الكتل الأخرى تأتي بإلحاح شديد إن أقدموا ولكم جميع المقاعد المخصصة للإئتلاف الموحد, لكننا رفضنا رفضاً قاطعاً السير دون شركائنا..طرح السيد المالكي فرحبنا بالأسم وطرحناه على الكرد والسنة بعنوان مرشح الإئتلاف, وأعتبرناه مرشحنا الأصيل ودعمناه بكل ما أوتينا من ثقل سياسي وجماهيري, وإعلامي, وكانت قناة حزب الدعوة آنذاك (بلادي) تقف بالضد من رئيس الوزراء, بينما كانت (الفرات) هي المدافع الوحيد والناطق الفريد بأسم الحكومة, سيما في صولة الفرسان..
جاءت المهملة الأمريكية للسيد المالكي في عام ٢٠٠٧ على أثر تردي الوضع الأمني وغياب الحكومة الشامل, وعشعشة مافيات الجريمة والفساد والقتل في أجهزة الدولة, سيما في محافظة البصرة التي كانت هدفاً لعصابات التهريب والقتل..حينذاك كان سماحة الراحل السيد عبد العزيز الحكيم (قدس) في إيران لتلقي العلاج, ورغم حرص الأطباء ونصيحتهم بعدم مغادرة المشفى, إلا إنه أصر على العودة إلى بغداد لدعم الحكومة وإسنادها, ومن هناك أتصل بالدكتور عبد المهدي المتواجد في سوريا بزيارة رسمية وأبلغه بضرورة الذهاب إلى كردستان لترتيب تحالف إستراتيجي يضمن بقاء ودعم هذه الحكومة, لم يكن للسيد المالكي عدداً برلمانياً كالموجود له حالياً, ورغم هذا لم يكن يشكي يوماً من تلكؤ أو عرقلة برلمانية, فمن كان يسنده يا ترى؟!..وبالفعل تم الإعلان عن تشكيل التحالف الرباعي (المجلس الأعلى, حزب الدعوة, الديمقراطي الكردستاني, والأتحاد الكردستاني) وتم سن قانون يحضر دخول أي كتلة لها مليشيا مسلحة في الإنتخابات, تمهيداً لإنطلاق عمليات فرض القانون والتي بدأت من البصرة, والغريب إن مقرات تيار شهيد المحراب أصبحت هدفاً للمجاميع المسلحة كتعبير عن الإسناد اللامحدود الذي قدمناه للحكومة ورئيسها, وقدمنا العديد من الشهداء المغدورين..
حدث الإختلاف أثناء تشكيل مجالس الإسناد, ولم يكن إعتراضنا على أصل المبدأ؛ إنما كنا نطالب بوجود سند قانوني يبيح هذه المجالس, إضافة إلى تواجد بعض الأسماء البعثية في تلك المجالس وإستغلالها للوضع بصورة عامة, ناهيك عن عمليات التسليح غير المدروسة والأموال التي أنفقت لهذا الأسم أو ذاك, والطريف إن تلك الأسماء تحولت الآن إلى أشد المعادين للعملية السياسية وللحكومة ورفعت السلاح بوجه الدولة, فمن أصدق قولاً؟!
وللحديث تتمة