الابتعاد عن كرسيّ السلطة قلق، أما مأساة ملايين المهجّرين فمسألة فيها نظر، خسر القائد العام للقوات المسلحة السابق، الموصل وتكريت وأجزاء من الأنبار، لكنه ذهب ليوزّع الشعارات والخطب في بابل والناصرية، وكعادة القادة " المنتصرين " فإن " فخامته " نبّهنا من أنّ الأيام حبلى بالمفاجآت. ففي تقرير مثير نشرته صحيفة نيويورك تايمز ينقل دبلوماسي غربي،، " أن رئيس الوزراء السابق سيعود إلى حكم العراق مرّة أخرى في عام ٢٠١٥ لتجنّب غضب المسؤولين العراقيين المتورّطين في عمليات فساد " وتعلّق الصحيفة بالقول: " يبدو كلام الدبلوماسي الغربي صائباً بعد ورود أنباء عن أنّ سلطة المالكي داخل المؤسسة القضائية تحظى بنفوذ كبير ".
وضع شيوخ القواميس العربية تعريفات كثيرة لمعنى الاستحواذ والأطماع والفشل، لكنّ " فخامته " يريد أن يجد تعريفا جديدا للسلطة لا يتعدّى مصطلح " ما ننطيها "، وفي معظم الحالات ليست سوى خراب وتهجير وفوضى و مشاهد التهجير وسبي النساء واستعراض عضلات داعش. حارب المالكي جميع شركائه السياسيين ، وتقاتل مع الكفاءات،وكان أبرز منجزاته إقصاء سنان الشبيبي وسجن مظهر محمد صالح، ومطاردة تظاهرات الفساد .
عندما يدمّر المسؤول الأول، مؤسسات الدولة، بدلا من تطويرها على أسس ديمقراطية.. فهو يهين الدماء والأرواح التي قدّمها العراقيون على مدى عقود طويلة من أجل أن يتنفس أبناؤهم هواء الديمقراطية الحقّة.
وعندما يصرّ سياسي على الاستحواذ على كل شيء وأي شيء، ويستخدم مقرّبوه حيلاً وألاعيبَ لتخوين الآخرين وإقصائهم.. عندما يسرق بلد في وضح النهار، عندما يبرر التعذيب والاعتقال العشوائي.. عندما تسلّم مؤسسات الدولة إلى أصحاب الثقة لا أصحاب الخبرة، وعندما لا يرى رئيس الوزراء في القضاء سوى القوانين التي تحصّن سلطاته وتصونه.. فإننا بالتأكيد سائرون في طريق الخراب.
في تجارب الشعوب التي طالما أتمنى أن يتعلّم منها ساستنا نجد صوراً أخرى لزعامات قدّمت لشعوبها الأفعال بدلاً من لغة العناد والاستعلاء.. زعماء قدّموا لشعوبهم ما لم يعرفوه من قبل، في البرازيل اعتبر المراقبون
انتخاب الرئيس "لولا دا سيلفا" عام ٢٠٠٢ شكّل انتقالة مهمة في حياة البلاد، وخاصة عندما أطلق في مطلع عام ٢٠٠٣ برنامجه الشهير "الجوع صفر"، أي "القضاء على الجوع" ظلّ لولا في الحكم حتى عام ٢٠١٠ عندها شعر أهالي البرازيل بنوع من الخيبة،لأنّ الدستور لا يسمح لـ"رئيسهم المحبوب" بالبقاء رئيساً للبرازيل،قدّم صورة أخرى للزعامات في العالم، أعطى لشعبه، ازدهاراً لم يعرفه من قبل.... لم يكذب عليهم ولم يركب على أكتافهم..، وبينما يصرّ البعض على الاستمرار في السلطة حتى النفَس الأخير، مشى "لولا " حتى اليوم الأخير من حكمه مؤمناً بالدستور رافضاً أن يغيّره لصالحه فيبقى رئيساً مثلما يتمنّى معظم أهالي البرازيل.
للأسف البعض من سياسيينا لا يريدون لهذا الشعب أن يدخل مثل سائر البشر، عصر الحياة والرفاهية، والخروج من ذلّ الخوف وفقدان الأمن والأمان.. ياعزيزي فخامة نائب رئيس الجمهورية، الناس تريد أن تقرأ أرقام النموّ ومعدّلات التنمية، فقد ملـُّوا أرقام الموت وخرائط الفقـر والفساد!