وغلّست من الكلت والكال كمت اسمع وعدّي
قد تحسب قوة للفرد، او شدة صبر، حين لا يرد على من يتهمه كما فعل عريان. لكن ان تغلّس "دولة" بكاملها عن اتهام مسؤول "كبير" فيها بأنه مهّد الطريق للدواعش ، فقطعا هناك علّة ما بعضو دفين فيها.
يقال إن العراقي قليل صبر. وإني لأجد في ذلك ظلما كبيرا. فها هو العراقي امامكم، ما شاء الله، تحمل من القهر والضيم والقتل ما لم يتحمله بشر قبله ولا بعده. فناننا المبدع علي المندلاوي جاءه رجل عربي شاكيا ذات يوم وهو في الغربة، ان السيارة انقلبت به لذلك هو يحتاج الى مساعدة. ردّ عليه المندلاوي: بس يا عمّ احنة انكلبت بينه الدنيا مو السيارة. لكن في نقطة محددة يندر ان تجد عراقيا لم يفقد صبره، وهي، عندما توجه له تهمة ما. يتخبّل حين تتهمه ، إلا اذا كان فعلا يستحق تلك التهمة.
قبل أسبوع تقريبا خرج علينا السياسي اللبناني سعد الحريري بخطاب متلفز اتهم فيه رئيس وزرائنا السابق بأنه ومعه الأسد قد اسهما "باستدعاء قوى التطرف للمنطقة". لم نسمع رداً من صاحبنا ولا من دولتنا التي ما زال المتهم يشغل منصباً مهماً فيها. حملنا سكوته وسكوتها على محمل ان الحريري لا يمثل دولته وانه مجرد رئيس تيار سياسي.
قبل يومين خرج اوباما بنفسه هذه المرة ليؤكد ما قاله الحريري لكن بصيغة أشد وعبارات لا تقبل اللبس. قال عن رئيس وزراء العراق السابق بانه هو من عبّد الطريق لداعش لتدخل العراق.
تهمة أوباما هذه واحدة من اثنتين: إما انها باطلة أو صحيحة. فان كانت باطلة فعلام لم يرد المتهم وقلدته الدولة بعدم الرد؟ وان كانت صحيحة فلربما من باب الدهاء ان يسكت المتهم. لكن ان تسكت الدولة على مسؤول فيها يتهم بجريمة القتل العمد لشعبه، فهذه سابقة لا يحضرني مثيل لها في كل دول العالم.
أتذكر قبل سنوات ان وزارة الخارجية ومجلس الوزراء وجمع من النواب والنائبات قلبوا الدنيا بالتصريحات ضد تهمة أقل وطأة كانت قد صدرت عن رئيس وزراء تركيا لنظيره العراقي السابق. فأين هم الآن من تصريح اوباما؟
سكوت تنبعث منه رائحة خوف مرعبة. لكن لا أدري أهو خوف من الذي وجّه التهمة، أم من المتهم نفسه؟ ومهما كان الجواب فدولة يتحكم بها الخوف من هذا او ذاك ليس امامها غير ان تظل ترتجف حتى يذبل عودها وتتهاوى.