انّ ازدراء الانسان، والتهاون في شأنه وكرامته وحقوقه وحياته ،هو القاسم المشترك بين الطغاة على اختلافهم ..
انهم خريجو مدرسة واحدة ...
انها مدرسة التنكر للقيم الانسانية، فضلاً عن سائر القيم والمقدسات الأخرى .
انّ الخطوط الحمراء عندهم ما هي إلاّ اشارة خضراء، ينطلقون منها لتنفيذ جرائمهم المسعورة ...
-٢-
وغنيٌّ عن البيان ، موقع الانسان في القران الكريم :
اسمع ما يقوله الرحمن :
( مَنْ قَتلَ نَفَساً بغير نَفْسٍ أو فسادٍ في الارض فكأنّما قتل الناس جميعا)
المائدة /٣٢
وقال جل اسمُهُ :
( ومَنْ يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها ) النساء /٩٣
وجاء في الحديث الشريف عن الرسول (ص) أنه قال :
" قَتْلُ المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا )
الجامع الصغير للسيوطي /٤٥٥
ومن هنا فانّ التمرس بقتل الناس، ذبحاً وحرقاً وتعذيبا، كما يفعله الأوغاد من داعش، هو الدليل الواضح على انّ منطلقاتهم (شيطانية) وليست (رحمانية) على الاطلاق .
واكبرُ ألوانِ الاساءة الى الاسلام، اصطناع المجازر الوحشية باسم الانتساب اليه، وهو براء من كلَّ طاغٍ معتدٍ أثيم .
-٣-
ويعتبر " الحجّاج بن يوسف " ، المعروف بجبروته وطغيانه ، مثالاً بارزاً للمتوحشين السفاكين .
جاء في التاريخ :
ان عمر بن عبد العزيز سأل عنبسة بن سعيد قائلاً :
" اخبرني ببعض مارايت من عجائب الحجاج
قال :
كنا جلوساً عنده ليلةً ، فأُتي برجلٍ فقال – اي الحجّاج – ما أخرجك هذه الساعة وقد قلتُ :
لا أجدُ فيها أحداً الاّ فعلتُ به
قال :
اما والله لا أكذب الأمير أُغْمِيَ على أُميّ منذ ثلاث ، فكنتُ عندها ، فلما أفاقَتْ الساعة قالت :
يا بنُيّ
أعزمُ عليك الاّ رجعتَ الى اهلك فانهم مغمومون لتخلفك عنهم فخرجتُ فأخذني الطائف
فقال :
ننهاكمُ وتعصون
اضرب عنقه "
انها ليست جناية تستحق القتل بكل المعايير .
انّ الرجل عاد الى اهله بعد انشغاله بأُمه ثلاثًاً ...
وربما لم يكن على علمٍ " بمنع التجول " الذي فرضه الحجّاج، فانزال عقوبة الموت به ما هي الا القسوة الفظيعة المسعورة .
واستمر (عَنبسة) يحدّثُ ابن عبد العزيز فقال :
" ثم أُتي برجل آخر ، فقال :
ما أَخَرَجَكَ هذه الساعة ؟
قال :
والله لا أكذبك
لزمني غريم ، فلما كانت الساعة أغلق الباب وتركني على بابِهِ ،
فجاءني طائفُك فأخذني ،
فقال :
اضربوا عنقه "
والقتيل الثاني أيضا لم يكن يتعمد عصيان أوامر الحجّاج
وانما ساقه الظرف المحرج الى ذلك ..!!
انه لا يستحق العقوبة الصارمة المسعورة ، عقوبة ضرب العنق بالسيف..!!
انها الهمجية والوحشية والقسوة المتناهية ليس إلاّ .
وبقي أنْ نفهم ما جرى على رجلٍ ثالثٍ جيء به الى الحجّاج في تلك الليلة .
يقول (عنبسة بن سعيد) :
" ثم أُتي بأخر فقال :
ما أَخَرَجَكَ هذه الساعة ؟
قال :
كنتُ مع شَرَبَةٍ أشربُ ، فلما سكرتُ خرجتُ فأخذوني ، فذهب عني السكر فزعا
فقال – اي الحجاج –
يا عنبسة ما أراه إلاّ صادقا
خلوا سبيله "
وهكذا تَضطرب المعادلات ، وتُنتهك الحرمات، ويُقضى على الناس بالباطل
مَنْ يُقّر بالسُكر ، يُصدّق ، ويُطلق سراحُه ،
وَمَنْ يُقسِم بأغلظ الايمان على صحة ما يقول ، وهو صادق، تُضرب عنقه..!!
وبعد أنْ سرد (عنبسة) القصة (لعمر بن عبد العزيز) بادره (عمر)
بالسؤال :
" فما قلتَ له شيئا ؟
فقال :
لا "
إنّ عمر بحسه الانساني، كان يتوقع من (عنبسة) أنْ يوّظف حضوره لصالح العدالة ، ولكنه لم يكن كذلك .
شَهِدَ قَتْلَ الرجلينِ ، ولم ينبس ببنت شفة !!
إمّا خشيةً على نفسه من الحجاج، وإمّا حفاظا على مصالحه ... فأصدر أمره بمنع دخول (عنبسة) عليه إلاّ ان يكون في حاجة ...
وبهذا يكون عمر بن عبد العزيز قد عاقبه على موقفه المائع الذميم
-٤-
وعصابات (داعش) اليوم تمارس من الجرائم ما لم تذكره كتب التاريخ لا عن الحجّاج ولا عن أضرابه من الطغاة ...
وتتفنن في طرق الابادة والقتل، فالى جانب الذبح والحرق بالنار، هناك قطع المياه ليموت الأحرار والحرائر عطشا ... ناهيك عن الاطفال الأبرياء المحكوم عليهم بالفناء دون جرم ولا جريرة .
-٥-
ان (داعش) هي آخر ما أفرزته صيغ الطغيان والتوحش والتحجر والعداء السافر للانسان والأديان والحضارات والعلوم والآثار ...
ويصح القول :
انها عدوة البشر والحجر ، وانها لا تُبقي ولا تذر .