هذا الأسبوع في بغداد كارثة صحفية، فقد أغلقت جريدة "العالم" الورقية وتوارى موقعها الالكتروني فجأة ولم يصدر حتى عدد الوداع الخاص بها. المهم في هذا الحدث نقطتان:
"العالم" كانت منبرا حرا لكل الأصوات الصحفية، بمعنى أنها لم تكن منتمية حزبية ولا طائفيا ما جعلها ناتجا صحيا للتغير الذي جرى في العراق عام ٢٠٠٣، وغيابها ترك فراغا كبيرا لدى القراء ولدى كتابها.
النقطة المهمة الأخرى أن كادر هذه الصحيفة من الصحفيين والفنيين والعاملين وجدوا أنفسهم فجأة في الشارع، بلا ضمان وبلا مستقبل، وهذا يطرح أسئلة حول مستقبل الصحفيين ومستقبل عائلاتهم. هل أصبحت الصحافة مثل مهنة عمال الأجرة اليومية، غير مضمونة وغير مأمونة.
آخررئيس تحرير لجريدة "العالم" الصحفي فراس سعدون تحدث إلى DW عربية وروى من بغداد قصة نهاية " العالم " مفصّلا ما جرى بالقول" في الأول من أيار وهو عيد العمال العالمي ، ابلغني رئيس مجلس إدارة الجريدة السيد مهدي الهاشمي بأن عدد الغد ( الخميس ٢ أيار) سيكون العدد الأخير، مشيرا إلى أنه قد أفلس ( وهو صاحب الامتياز) ولم يعد بإمكانه أن يستمر في تمويل الصحيفة ".
وعرض فريق العمل المكون من عشرين صحفيا على صاحب الامتياز أن يستمروا بإصدار الصحيفة الالكترونية تطوعا ولمدة شهر من خلال عملهم على حاسباتهم الشخصية في بيوتهم، لكنه رفض، وألمح الصحفي فراس سعدون إلى أن وراء ذلك صحفي آخر كان يرأس تحرير الصحيفة.
ونوه آخر رئيس تحرير لصحيفة "العالم" إلى أن ١٦ وزارة ودائرة حكومية عراقية قد امتنعت خلال الشهرين الأخيرين عن منح إعلاناتها إلى الصحفية التي كانت تحصل من عائدات الإعلانات على مبلغ وصل إلى ١٢٠ ألف دولار سنويا، مبينا أن هذا المنع قد أصاب التمويل في الصميم وادي إلى انهيار الصحيفة، ومعتبرا أن أسبابا سياسية تتعلق بالخطابي الإعلامي للجريدة تقف وراء امتناع وزارت الدولة عن منح إعلاناتها إلى الصحيفة.
من جهته أشار الصحفي هادي جلّو مرعي رئيس مرصد الحريات الصحفية أن الصعوبات المالية هي السبب الحقيقي وراء إغلاق الصحيفة، لا سيما وأنها قد انطلقت قبل " نحو ٣ سنوات برأسمال كبير، وبدأت تدفع رواتب خيالية للعاملين فيها ، وسرعان ما تلاشى المبلغ المالي الكبير الذي بدأت به، فأصبح الإفلاس مصيرها، وصار لزاما على صاحب امتيازها أن يغلقها".
وفي معرض حديثه عن وجود أسباب أخرى وراء هذا الغلق، نفى مرعي بشكل قاطع أن تكون هناك أسباب سياسية، واعتبر أن ما أشار إليه الصحفي فراس، يعتبر مأخذا على الصحيفة، إذا كيف بوسعها أن تحافظ على استقلالها إذا نشرت إعلانات من وزارة حكومية ؟ " وكيف بوسع الصحيفة أن تكشف مظاهر الفساد والخلل في وزارة الصناعة أو الكهرباء أو الصحة إذا كانت تنشر إعلاناتها وتعتمد على قيمة هذه الإعلانات لدعم تمويلها".
العاملون في صحيفة "العالم" وجودوا أنفسهم بين عشية وضحاها دون عمل ودون دخل. رئيس تحرير الصحيفة أكد أن أي مهلة أو إنذار لم يمنح للعاملين، كما أن أي بديل لا يتوفر لديهم، فيما أكد رئيس مرصد الحريات الصحفية أن منظمته لا تستطيع أن تفعل شيئا حيال هذا، مشيرا إلى أن سمة العمل الصحفي في العراق هو غياب الضمانات، بسبب عدم وجود قوانين عمل واضحة تكفل للصحفيين معيشتهم وحتى حياتهم.