لن تكون هذه الانتخابات الأولى التي تنظم في العراق بعد ١١ عاماً على سقوط النظام السابق، لكن العملية الانتخابية الحالية تكتسب أهمية على صعيدين. الأول، يتمثل في كونها الانتخابات الأولى التي تقام بعد الخروج النهائي للولايات المتحدة من البلاد في العام ٢٠١١. اما الثاني، فيتمثل في أن العراق بات في حاجة لإعادة الروح إلى العملية السياسية ووضعها على السكة الصحيحة، وبالتالي مجابهة التدهور الأمني الناتج في أحد جوانبه من البيئة الاستراتيجية الهشة المحيطة اليوم بالعراق.
إلى جانب الهم الأمني، فإنّ الملفات المعيشية بدورها تبرز إلى الواجهة. وعلى سبيل المثال، وبحسب تقارير إعلامية نشرت مؤخراً، تظهر الإحصاءات الرسمية أن معدل البطالة في العراق يبلغ ١٥ في المئة، ولكن يُعتقد أن المعدل الحقيقي يصل إلى ٣٠ في المئة.
وتضمّنت الخطة الخمسية للتنمية الاقتصادية في العراق خلق ما بين ثلاثة ملايين وأربعة ملايين فرصة عمل جديدة بحلول العام ٢٠١٤. لكن المنتقدين يقولون إنّ هذا الهدف لا وجود له إلا على الورق، إذ ما من مؤشرات تذكر لتحقيقه، مشددين على ان التوسعات الضخمة في قطاع النفط لم تحقق الزيادة الموعودة في فرص العمل للعراقيين.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، يتخوّف العراقيون أكثر من التهديد الأمني، إضافة إلى التخوف من أن تترجم المنافسة السياسية الديموقراطية في الشارع عنفاً سياسياً بين مناصري الأطراف المختلفة.
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي العراقي إحسان الشمري، إنّ الصراع الانتخابي المحتدم هو صراع وجود، إذ أنّ الكثير من الكتل السياسية متوترة وتعيش حالة من الاضطراب السياسي.
وتقام هذه الانتخابات في ١٨ محافظة عراقية، من بينها إقليم كوردستان، يشارك فيها ٩٠٤٠ مرشحاً من كلا الجنسين، يمثلون جميع المحافظات العراقية ومن مختلف المكوّنات العرقية والدينية لاختيار ٣٢٨ نائباً، أي بمعدل ٢٨ مرشحاً يتنافسون على كل مقعد. ويتوزع المرشحون على ٢٧٧ كياناً.
لا يتوقع فوز كيان محدد بغالبية المقاعد، بيد أنه ينظر إلى تحالف "دولة القانون"، الذي يقوده رئيس الوزراء نوري المالكي، بوصفه في مقدمة الكيانات المتنافسة.
ويخوض المالكي هذه الانتخابات بهدف الحصول على ولاية ثالثة، فيما المصاعب التي تواجهه تبدو كثيرة.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي سرمد الطائي، إنّ "التضخم" الذي حصل في سلطة رئيس الوزراء و"نجاح فريقه السياسي والعسكري في بناء شبكة مصالح واسعة داخل مؤسسات الدولة"، يجعل منه "محوراً رئيسياً" في غالبية مناطق التنافس في الانتخابات المقبلة، ويجعل من الاقتراع مناسبة للاستفتاء على نهجه في إدارة الدولة.
ويضيف الطائي "إذا نجحت مراكز القوى التقليدية في كوردستان في منع المالكي من اختراق حواجزها القومية وقواعد الحكم الذاتي التي تحمي لعبتها، فإنّ شبكة مصالح المالكي المتبادلة تعمل بشكل لافت في المنطقتين السنية والشيعية".
وبالنظر إلى انتخابات المجالس المحلية التي جرت قبل عام، يمكن لخصوم المالكي أن يأملوا في هزيمته إلى حد يكفي لاستبداله.
وفي الوقت ذاته، يشير الطائي إلى أنّ "الجميع يتساءل اليوم حول قدرة أي جبهة ينشئها المالكي على مواجهة رفض واسع له داخل البيت الشيعي، وعلى مستوى باقي الأطراف، وهو ما سيظل موضوع اختبار قاسٍ لقدرة الأطراف الداخلية على القيام بأوسع مناورة سياسية حتى الآن، مع صفقة الخارج الإيرانية الأميركية، المرتابة حتى الآن من إجراء نقل شامل للسلطة في العراق.
من جهته، يقول النائب عن "دولة القانون" محمد سعدون الا شيء يمنع المالكي من السعي للحصول على الولاية الثالثة، إذ أنّ الدستور العراقي لم يحدد مدة لترؤس الحكومة العراقية.
ويتهم سعدون في حديثه بعض السياسيين بمحاولة استهداف المالكي للحصول على دعاية انتخابية، ويقول «يحاولون بشتى السبل إبعاد المالكي عن طريقهم بعدما أثبتت التجارب انه لا يريد تنفيذ ما يريدونه من طلبات تتعارض مع مشروعه الوطني القائم على الحفاظ على وحدة البلاد.
للتمحيص في حظوظ الكتل المشاركة، تظهر كتلة "القانون" على رأس القوائم، حيث أنها تتشارك منفصلة لكنها قد تتحالف بعد الانتخابات مع تكتل رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري و"حزب الفضيلة" وتكتل نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني، إضافة إلى كتلة "بدر" بزعامة وزير النقل هادي العامري.
ووفقاً للمتابعين، يبرز تكتل "المواطن"، التابع لـ"المجلس الأعلى الإسلامي العراقي" بزعامة عمار الحكيم، منافساً بارزاً، ومن ثم يأتي تكتل "الأحرار"، أي "التيار الصدري"، حيث يتوقع له الحصول على مقاعد أقل إثر قرار زعيمه مقتدى الصدر وقف الدعم السياسي والمعنوي للتكتل.
ربطاً بهذه المعطيات، نلاحظ أن محافظتي بغداد والبصرة ستشكلان بيضة القبان لغالبية الكتل المشاركة، وذلك نظراً إلى حجم المقاعد المخصصة لهاتين المحافظتين، في وقت سيحاول ائتلاف المالكي التعويل أيضاً على مسقط رأس رئيس الوزراء مدينة كربلاء، وعلى محافظتي النجف وبابل.
منافسة أخرى تبرز، وهي تتوزع بين قائمة "متحدون" بزعامة رئيس البرلمان الحالي أسامة النجيفي وبين "الكتلة الوطنية" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، إضافة إلى "القائمة العربية" برئاسة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك.
وقد تشكل الأوضاع المتوترة في الأنبار وإمكانية عدم إجراء الانتخابات فيها ضربة موجعة للكتل المذكورة.
ويشرح المحلل السياسي عمر العنبكي "يعول أسامة النجيفي بشكل أساس على معقله في محافظة نينوى، وإياد علاوي صوب بعض المناطق ذي الغالبية الشيعية وفي (محافظة) صلاح الدين، بينما تميل الكفة في (محافظة) ديالى لصالح المطلك".
أما في إقليم كوردستان فالوضع مغاير والحسابات مختلفة. ففي الإقليم ستجري عمليتان انتخابيتان. الأولى للتصويت المحلي والثانية للانتخابات التشريعية. وقد تميل الكفة للأحزاب الرئيسية على حساب الأحزاب الصغيرة.
ويقول المراقب الإعلامي رومان زاغروس إنه يمكن أخذ الانتخابات البرلمانية الكوردستانية المحلية، التي جرت في شهر أيلول الماضي کاستفتاء رسمي لهذه الانتخابات، خصوصاً في ما يعني المحافظات الثلاث، اربيل والسليمانية ودهوك.
ويوضح أنه "في مدينة السليمانية، من المتوقع أن تشهد الحملات توتراً وإقبالاً، فالناخب ذو الميول المعارضة سوف يتشجع للتصويت لو تأكد أن صوته سيكون أکثر فعالية في انتخابات مجالس المحافظات. حيث من المتوقع أن تتغير السلطة المحلية هناك (برئاسة «الاتحاد الوطني» حالياً) بعد الفوز المتوقع لقائمة التغيير".
ويشير إلى أن الحزب الديموقراطي برئاسة رئيس الإقليم مسعود بارزاني، من المتوقع أن يفوز في اربيل ودهوك في الانتخابات المحلية.
ويتطرق زاغروس إلى مدينة كركوك، المتنازع عليها بين بغداد واربيل، قائلاً "بالنسبة لقائمة الاتحاد الوطني فمدينة كركوك ستشكل فرصتها الوحيدة لإثبات حضورها، لأنها تعد قلعة الحزب".
أما في ما يخص الانتخابات البرلمانية، يعتبر زاغروس أنه إذا استطاع "الحزب الديموقراطي" الحفاظ علي حجمه، فهذا يحتسب فوزاً بحد ذاته لأن جزءاً من فوزه الساحق في انتخابات العام ٢٠١٠ كان بسبب فشل باقي الأحزاب.
يواجه العراقيون في كل انتخابات، برلمانية أو محلية، إشكالية ضخ المال السياسي لشراء الأصوات، فيما تحاول اليوم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الحد من مخاطر هذه العمليات عبر اعتماد بطاقة الانتخابات الالكترونية.
وتضم البطاقة معلومات مفصّلة عن الناخب وعن مركزه الانتخابي ولا يمكن للناخب الاقتراع من دونها حيث يتم فحص البطاقة يوم الانتخابات بواسطة جهاز التحقق الالكتروني.
وتعمل البطاقة مرة واحدة فقط نظراً إلى وجود جهاز المسح الالكتروني الذي يقوم بقراءة بيانات الناخب بعد أخذ بصمة الإبهام الأيسر.
من جهتها، وتجنباً لمحاولات التزوير، تسعى الكتل السياسية المشاركة في الانتخابات الى تدريب أكبر عدد من المراقبين لتمثيلها خلال عملية الاقتراع، في مختلف مراحل العدّ والفرز.
إلى جانب ذلك، تسجَّل محاولات حثيثة، وإن كانت محدودة، لأطراف المجتمع المدني للحد من محاولات التزوير وشراء الأصوات.
وفي هذا الصدد، نشر "المركز العراقي لاستطلاعات الرأي العام" مؤخراً تقريراً اعتبر فيه، وفقاً لدراسات أعدّها، أنّ محاولات شراء البطاقات الانتخابية في عموم العراق لا يزال منتشراً، كاشفاً أنّ "سعر البطاقة الانتخابية ارتفع من ١٠ آلاف دينار، أي حوالي ٨ دولارات، ليصل إلى معدل ٣٠ ألف دينار، أي ما يعادل ٢٤ دولارا، في حين وصل في بعض مناطق بغداد إلى ٢٠٠ ألف دينار للبطاقة الواحدة، أي حوالي ١٦٠ دولارا".
وأضاف التقرير أنّه تبعاً لهذه المعطيات فإنّ "تحليل المعلومات المستقاة من عمليات الرصد والتحري تبين أنّ البرلمان المقبل سيكون برلمانا لأصحاب الأموال وأن مقاعده قد اشتريت مسبقا وأنه لا قيمة للعملية الانتخابية برمتها إذا استمر الوضع على ما هو عليه".