ومنذ ذلك الوقت عرفت كربلاء المواكب الحسينية واختصت بإقامة هذه الشعائر والطقوس التي تميزها عن باقي المدن الإسلامية وبقية المحافظات العراقية، فكانت شعلة هذه الشعائر تخبو تارة وتتقد أخرى بحسب الحكومات المتعاقبة على العراق.
حدثنا نائب رئيس قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة السيد عقيل عبد الحسين الياسري عمّا علق بذاكرته مما نُقل اليه عمّا شهدته وعانته هذه المراسيم في محافظة كربلاء، ولا سيما مواكب العزاء ومجالس الوعظ والإرشاد الحسيني، فقال "مواكب العزاء في كربلاء قديماً لم تكن بهذه الأعداد التي نشاهدها اليوم، بل كانت في البداية مقتصرة على إقامة المجالس الحسينية، حيث لم تكن هناك إمكانيات متاحة وقتها، وكانت تلك المجالس تقام في صحنيّ الإمامين الحسين واخيه ابي الفضل العباس (عليهما السلام) وفي الحسينيات وفي البيوت، بعدها جرت عادة نزول موكب العزاء من الزنجيل واللطم ) والمسير من ضريح الإمام الحسين (عليه السلام) إلى ضريح أبي الفضل العباس (عليه السلام) أو بالعكس".
وأضاف " مواكب العزاء اليومية تبدأ بمراسيمها منذ اليوم الأول من شهر محرم الحرام، وتستمر إلى اليوم العاشر منه دون انقطاع، تشارك فيه جميع مواكب عزاء أطراف كربلاء القديمة، والتي يبلغ عددها سبعة أطراف كذلك الهيئات إضافة الى مواكب الأصناف - كموكب عزاء الصفارين وغيره- فضلا عن مواكب أخرى من الجاليات العربية والأجنبية الساكنة في كربلاء.
ترافق هذه المراسيم إقامة مجالس للوعظ والإرشاد الحسيني بمشاركة خطباء من داخل محافظة كربلاء المقدسة وخارجها، شكلت هذه برمتها أساس تاريخ الشعائر الحسينية في كربلاء حتى عقد السبعينات من القرن العشرين ".
وتابع الياسري " بدأ منع هذه المراسيم منذ عام ١٩٧٨ م باستثناء عزاء ركضة طويريج، فقد سبق هذا التاريخ محاولات منع أخرى، لكنها كانت اقل وطأة، وخلال هذه الفترة الزمنية كانت المجالس العزائية تقام في بيوتات كربلاء بسرية تامة، وقد تعرض جمع كبير من خدمة الإمام الحسين (عليه السلام) الى الاعتقال في السجون والتعذيب على يد النظام الحاكم آنذاك، لتستمر الحال على ما هو عليه حتى مطلع عام ١٩٨٠ عندما تسنم النظام الصدامي الحكم، هذا النظام الذي تفنن بمنع هذه الشعائر والطقوس الدينية والذي شمل حتى عزاء ركضة طويريج، واستخدام ابشع الأساليب التعذيبية، حتى أنها وصلت الى الإعدام والتهجير القسري لكل من يمارس هذه الشعائر، فاتخذ منها ومن يقوم بها ندا له، ناعتاً اياها ومن يقوم بها بألقاب وكنى متعددة، لكن محبي الإمام الحسين (عليه السلام) بقوا على عهدهم معه بإقامة مراسيمهم العاشورائية بالسر والخفاء وباستخدام طرق عدة وقدموا خلال هذه الفترة الزمنية شهداء وجرحى ومعتقلين، واستمر الوضع لغاية ١٩٩٠م حيث كانت كربلاء على موعد مع الانتفاضة الشعبانية التي كان ابطالها هم من أصحاب المواكب الحسينية ".
مضيفا" هذه الفترة من عام ١٩٩٠ وحتى ٢٠٠٣ شهدت التحدي الأكبر لأصحاب المواكب والهيئات الحسينية حيث كان التضيق عليهم في غاية الشدة، واستمرت فصول الاعتقالات والإعدامات بحقهم وذاقوا الأمرين، لكنهم لم ينثنوا وواصلوا أداء رسالتهم الحسينية الخالدة بحفظ شعارئها وإقامتها رغم كل الظروف المحيطة ".
واختتم " حاول أعداء الإمام الحسين (عليه السلام) عبر هذه الفترات الزمنية المتلاحقة، ومن خلال حكومات متعاقبة انتزاع هذه الهوية من كربلاء وأبنائها، وما تزال هذه المحاولات مستمرة الى يومنا هذا..! ولكن بالمقابل نرى أبناء المدينة يتجاوزون كل هذه المؤامرات جيلاً بعد جيل، لنجد كربلاء اليوم قد عادت وبسرعة كبيرة الى سابق عهدها كعاصمة للشعائر الحسينية في العالم".