بيّن ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة التي أقيمت في الصحن الحسيني الشريف في ١٩ ذي الحجة ١٤٣١هـ الموافق ٢٦-١١-٢٠١٠ م إنه وبعد اختيار الرؤساء الثلاث رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب .. ودخلت مرحلة تشكيل الحكومة المقبلة مرحلة اختيار الوزراء، هناك ثمة أمرين مهمين لنجاح الوزارة المقبلة:
الأمر الأول: إن مسألة اختيار الوزراء وفق معايير تضمن النجاح لأداء الوزارة مسألة مهمة جداً وهي تعتمد على:
أ- مدى دقة وحرص الكتل السياسية على تقديم مرشحيها للوزارات ممن يتصفون بالكفاءة والنزاهة والإخلاص والقدرة على إدارة الوزارة بحيث تحقق المهام المرجوة منها وتقدّم الخدمات التي يأملها المواطن ..
ب- إن هذا الاختيار لوحده لا يكفي لتحقيق النجاح .. فعلى ضوء تجربة الوزارة السابقة لابد من الفصل بين كون فلان وزيراً وكونه منتمياً لكتله السياسية الفلانية بحيث يخضع أي وزير للمراقبة في أداء مهام وزارته ومحاسبة ما يحصل فيها من تقصير أو قصور ... وقد وجدنا في الفترة السابقة إن المحسوبية في انتماء الوزير الفلاني للكتلة السياسية الفلانية وضعت قيوداً على إمكانية المتابعة والمحاسبة للوزير وغض النظر عن هفواته وتقصيره.
ج- لابد من تعاون الكتل السياسية فيما بينها لتحقيق البرنامج الخدمي والاعمار للبلد فان طبيعة العملية السياسية والمحاصصة التي يمر بها البلد جعلت لهذه الكتل بما لها من ممثلين في الوزارات وممثلين في مجلس النواب تأثيرا إما ايجابي إذا تعاونت فيما بينها أو سلبي إذا غلّبت مصالها الضيقة على المصالح العامة.
الأمر الثاني: لابد من وضع منهاج وزاري وفق آليات يتم على ضوئها وضع جدول زمني لانجاز المهام والأعمال والمشاريع والخدمات المطلوبة من كل وزارة ومراجعة هذا البرنامج وما تحقق من أداء لفقراته كل فترة زمنية غير متباعدة.
وعن مجلس النواب الحالي إذا ما أريد له النجاح في تصويب القوانين التي من شأنها أن تذلل عقبات السلطة التنفيذية تناول سماحة الشيخ الكربلائي بعض الضوابط التي لا مناص منها لتوفير الأمن وتقديم المزيد من الخدمات للمواطن العراقي أوجزها بما يلي:
أولا: مراجعة الأداء لمجلس النواب السابق وتشخيص أسباب الإخفاقات والقصور والتقصير في أداء المهام الموكلة به، خاصة مراجعة تلك القرارات التي ولدت فجوة بين أبناء الشعب العراقي وأعضاء مجلس النواب وأعطت انطباعاً سلبيا لدى أبناء الشعب العراقي عن ممثليه الذين انتخبهم ومن ذلك الامتيازات التي حصل عليها أعضاء مجلس النواب وكبار المسؤولين ( ونحن نطلب مراجعة جميع الامتيازات ليس فقط لأعضاء مجلس النواب بل الامتيازات والرواتب الممنوحة لكبار المسؤولين أيضا ) ..
ثانيا: عدم قدرة ونجاح مجلس النواب في تشريع بعض القوانين المهمة، ما أثر سلبا على الواقعين الأمني والخدمي للمواطن.
ثالثا: إن النائب من اجل وفائه لهذا الشعب وأدائه لمسؤولية الأمانة التي حملّها الشعب إياه وهي وظيفة واضحة لابد من أن يلاحظ في أداء مهامه تغليب المصالح العليا على المصالح الخاصة لكتلته التي ينتمي إليها والابتعاد عن طلب أي امتيازات شخصية.
رابعا: استحضار حجم المسؤولية الشرعية والوطنية الملقاة على عاتق النائب وعليه أن يراقب الله تعالى في نفسه ولا يغريه أو يغيّره بريق المنصب وامتيازاته وعلو مكانته بسبب ذلك فيترفع عن الناس وينشغل بالمكاسب الحاصلة له عن الانشغال برفع هموم الناس وتحقيق مصالحهم .. فان غياب هذه الأمور عن ذهن المسؤول والنائب سيغرق كل واحد منهما في أمور الدنيا ومغريات الموقع والمنصب ويبعده عن الله تعالى وعن الناس.
وتطرق سماحة الشيخ الكربلائي في جانب آخر من خطبته إلى ضرورة الحضور الفاعل من قبل النواب لإقرار القوانين المهمة بقوله: لابد أن يتضمن النظام الداخلي لمجلس النواب ما يؤدي إلى إلزام الحضور لأعضائه في جلسات المجلس وان يكون حضورهم فاعلاً مؤثراً وان تتخذ الإجراءات الصارمة والجازمة بحق من يتغيّب منهم عن الحضور، بحيث يصل الإجراء إلى فصل النائب إذا تغيّب عن الجلسات حداً معينا.
وتطلع سماحته بأن يتخطى النواب الجدد تجربة مجلس النواب السابق التي أظهرت وجود اللامبالاة وعدم الاكتراث من قبل بعض أعضاء مجلس النواب فبعضهم تجده خارج العراق في نزهة واستجمام، وبعضهم يجلس في الكافتيريا ولا يحضر الجلسة ، ولكن إذا كان هناك مشروع قرار يتضمن امتيازات لأعضاء المجلس ترى هؤلاء المتغيبين يسارعون بالحضور إلى الجلسة، كما إن لغة التمني والأمل والمناشدة التي كانت تستعمل سابقاً لحث النواب على الحضور لم تعد مجدية في الوقت الحاضر، بل لابد من استعمال الحزم والصواب والشدّة لإلزام من لا يكترث بجلسات المجلس بحضور جميع الجلسات.
وعن ضرورة محاربة الفساد المالي والإداري في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة أكد سماحته إنه لابد أن يشمل ذلك جميع المؤسسات حتى المؤسسات العليا في الدولة، وتابع سماحته إن من جملة الفساد المقنّن - الآن - والذي رأيناه خلال الفترة السابقة ويعرفه الكثير من أعضاء مجلس النواب ورئاسة مجلس النواب هو إن عدد من النواب يستلم رواتب لحمايات شخصية له في حين إن عدد أفراد الحماية المقدّم غير حقيقي فهو يستلم رواتب لأفراد غير موجودين أصلا ً ويضع هذه الرواتب في جيبه مضافاً إلى راتبه الكبير الذي يستلمه والذي لم نسمع به في كثير من برلمانات العالم ..
وأضاف إن مثل هذا الفاسد كيف يمكنه أن يصلح فساداً آخرا يؤشر في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة؟! لذلك لابد أن يتولى هذا الأمر ( رواتب الحمايات) رئاسة مجلس النواب بنفسها وتقوم بالإشراف على ذلك من خلال سجلات وآليات دقيقة بحيث تمنع حصول مثل هذا النوع من الفساد المقنّن.
وفي الختام طالب سماحته الإخوة الذين يتغيّبون عن الجلسات أو يأخذون رواتب لحمايات وهمية أن يتذكروا الحرمة الشرعية لذلك وان يستذكروا وقوفهم بين يدي الله تعالى يوم يتركوا كل هذه الأموال في حياتهم الدنيا ثم لا يجدوا منها إلا وبالها...