أثار برنامج الحكومة الجديدة الذي أعلنه رئيس الوزراء نوري المالكي في مجلس النواب وخاصة الفقرة ٣٤ التي تتطرق للحريات، ردود أفعال متباينة، أبرزها المخاوف التي يبديها المثقفون من حدوث مزيد من التراجع في الحريات، وفي حين اعتبر بعضهم أن تلك الفقرة تعد "غمزا" من المالكي للمتشددين في حزبه وتأييده لتوجهاتهم، يرى خبير قانوني أن هذه الفقرة جاءت نقلا عن أحكام الدستور العراقي.
يشار إلى أن الفقرة ٣٤ من برنامج الحكومة، أكدت أنها ستحمي المجتمع العراقي من الممارسات التي تتعارض مع الدستور وقيمه الدينية والآداب العامة التي عرف بها وتفعيل القوانين النافذة لمواجهة أي خرق في هذا المجال.
عسكرة الثقافة
ويبدي المحلل السياسي إبراهيم الصميدعي في حديث لـ "السومرية نيوز"، دعمه للرأي القائل أن المالكي ذاهب في دعم المتشددين بحزبه إلى ابعد مما فعل للآن، مبيناً "إذا كنا نأمل من المالكي بعد أن نالت حكومته الثقة، أن يوقف على الأقل الخط الراديكالي، أي المتشدد في حزبه تحديدا، ومنهم محافظ بغداد في انتهاكه للحقوق والحريات العامة، نكون قد أخطأنا".
ويضيف الصميدعي أن "برنامج المالكي الحكومي الذي يشير إلى حماية المجتمع من الممارسات التي تتعارض مع الدستور والقيم الدينية والأدبية التي عرف بها المجتمع العراقي، هو نفس التفسير الذي تبناه مجلس محافظة بغداد".
وتابع الصميدعي أن "ذلك لا يعد تضييقاً فقط، وإنما هو انتهاك للحريات والحقوق العامة ولحدود المجلس القانونية"، مشيراً إلى أن "المالكي غمز من طرف خفي إلى دعمه الكامل لرئيس مجلس محافظة بغداد كامل الزيدي، وما حدث بينه وبين اتحاد الأدباء والمنظمات الثقافية الأخرى، من خلال المادة ٣٤".
ويعتقد المحلل السياسي أن "هناك اتفاقا واضحا في البرنامج الحكومي الذي قرأه المالكي والخط الراديكالي الذي سينال في المرحلة المقبلة دعمه، للمضي في تضييق الحريات العامة وليس حرية التعبير فقط"، لافتا إلى أن "تسمية وزير الدفاع الأسبق سعدون الدليمي وزيرا للثقافة يعد مؤشراً خطيراً جداً، ويعني في طياته عسكرة الثقافة".
الالتزام الحاد ببرنامج المالكي سيؤدي لتراجع الحريات العامة
من جانبه، يعتقد المدير التنفيذي لمرصد الحريات الصحفية هادي جلو مرعي "بتأثر البرنامج الحكومي للمالكي بالآراء والتوجهات المختلفة للكتل السياسية"، مشيرا إلى "وجود ٤٢ فكراً أيدلوجيا سيطغى على توجهات الحكومة المقبلة في إشارة لعدد وزراء الحكومة الجديدة"، متوقعاً أن يواجه المالكي "تحدياً من الجهات التي تدعو إلى قمع الحريات ومن الجهات الأخرى التي تريد توفير مساحة للحريات، وعليه الموازنة فيما بينها".
ويقول مرعي في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "البرنامج الحكومي هو انعكاس للواقع السياسي والتباين بين المكونات الدينية والعرقية في البلد"، مضيفاً أن "المجتمع العراقي متعدد ومتباين في ذائقته ومتناقض بالرؤى والأفكار مابين العلماني والديني والعقائدي والسياسي مما ينعكس على الشارع العراقي"، معتبراً ما حدث بين محافظة بغداد واتحاد الأدباء "تعبير عن التناقض في المجتمع العراقي".
ويشير المدير التنفيذي لمرصد الحريات الصحفية إلى أن "المشرع العراقي وجد نفسه أمام تحديات صعبة من حيث التوفيق بين رؤى رجال الدين والمؤسسات الدينية الراغبة بإيجاد حزمة من القوانين الدينية التي يجب على المجتمع والمؤسسة التنفيذية أن تقنع بها".
ويتابع محذرا من أن "الالتزام بالبرنامج الحكومي للمالكي، بهذه الصيغة وبهذه الكلمات الحادة قد يؤدي إلى تراجع فعلي للحريات العامة"، مستدركاً بالقول أن "شخصية المالكي القوية ربما ستسهم في تحجيم تأثير الجهات المتطرفة".
من جهته، يرى الإعلامي عزيز كريم أن "البرنامج الحكومي الجديد للمالكي واجه عملية شد وجذب بعيدا عن أي قاعدة مشتركة للتفاهم لتحديد الحريات بشكل موضوعي يقبله الجميع"، مضيفا أن "المنهاج الحكومي والدستور وجميع التعليمات والقرارات والأحكام الصادرة تفسر بحسب رغبة كل جهة".
البرنامج الحكومي صحيح ويعكس ما جاء بالدستور
ويرى الخبير القانوني طارق حرب أن "المنهاج الحكومي وبضمنه المادة ٣٤ تعد نقلا لأحكام الدستور"، مثنياً على البرنامج "بتقديمه الحقوق والحريات على غيرها وجعلها مبدءا عاماً وبداية القول".
ويضيف حرب في حديث لـ" السومرية نيوز، أن "تلك الفقرة التي وردت في البرنامج الحكومي ليست تأييداً لإجراء مجلس محافظة بغداد مع اتحاد الأدباء والمنظمات الأخرى، من قبل الحكومة الاتحادية التي أثبتت الأيام أنها بعيدة جدا عن هذا الأمر"، بحسب قوله.
ويتابع حرب إن "عدم تدخل الحكومة في حادثة اتحاد الأدباء رغم مرور أكثر من شهرين، يعني أنها وجدت أحكام الدستور واضحة بهذا الشأن".
ويوضح حرب إن "من يرى في الفقرة ٣٤ تحدياً للحريات وكبتا لها، يكون قد قرأ المنهاج قراءة خاطئة، كقراءة بعض منظمات المجتمع المدني النسوية للمادة ٤١ واعتبروها أجازت الزواج المدني كل حسب دينه أو معتقده".
ويؤكد الخبير القانوني أن "المنهاج الحكومي صحيح وهو نقل لأحكام الدستور ونقل لأحكامه لمنهاج وزاري دون زيادة أو نقص حتى بألفاظه هي ذاتها الألفاظ الواردة في أحكام الحقوق والحريات الدستورية"، مشددا أن "أحكام الحقوق والحريات أحكام واجبة وملزمة".
وكان مجلس محافظة بغداد اغلق، في السادس والعشرين من تشرين الثاني الماضي، جميع النوادي الليلية ومحال بيع المشروبات الكحولية في بغداد بحجة أنها لا تملك إجازة بممارسة المهنة، فيما رد مئات المثقفين العراقيين على القرار المذكور باعتصام في شارع المتنبي وسط العاصمة العراقية، كما وقع أكثر من ألفي شخص بياناً يطالب السلطات الثلاث بإلغاء القرار الذي اعتبروه محاولة لإعادة الحياة إلى الوراء عبر تطبيق قرارات النظام السابق.
فيما اعتبر وزير الثقافة العراقي الأسبق مفيد الجزائري في حديث سابق لـ"السومرية نيوز"، أن قرار إغلاق النوادي الليلية في العاصمة العراقية بغداد غير قانوني ويعد انتهاكاً للحريات الشخصية، كما يتعارض مع القوانين النافذة ومواد الدستور.