وبالوقت الذي أتاحت هذه القوات الفرصة لجلاوزة النظام قمع المنتفضين في المناطق الوسطى والجنوبية ساعدت وبقوة على حماية الأكراد من بطش البعثيين وأغلقت الحدود عليهم براً وجواً، وبدأت مرحلة الاستقرار والبناء في كردستان العراق منذ عام (١٩٩١)، وتطور هذا الاستقلال والبناء شيئاً فشيئاً إلى عام (٢٠٠٣)، حيث أصبحت الحكومة الكردية جاهزة للانسجام مع ظروف التغيير، والأكراد أصبحوا دولة مستقلة من حيث المبدأ ومارسوا دور الدّولة المنفصلة تحت غطاء الإقليم مستفيدين من استقلالية قرارهم ومشاركتهم في قرارات الحكومة الاتحادية.
ولكن الدلائل تُشير إلى أنّ الأكراد ماضين في مشروع الدولة الكردية المستقلة في كردستان، وهم ينتظرون الفرصة المناسبة لإعلان استقلالهم مستفيدين من الظروف التي يعيشها المحيطين الدولي والإقليمي.
إنّ استقلال الأكراد في شمال العراق سيغير التوازنات في المنطقة الإقليمية وسيفتح الباب على الدول الثلاث المجاورة للعراق ويشجع المعارضة في ( تركيا ــ سوريا ــ إيران )، إلى التحرك لتأسيس الدولة الكردية الكبرى وهو حلمُ جميع الأكراد في العالم، ولا توجد فرصة أفضل من هذه الفرصة ومن الممكن أنّ تعيش المنطقة ربيعاً كردياً كما هو الربيع العربي.
إنّ استقلال الأكراد في شمال العراق قد يسبب مشاكل للأكراد أنفسهم بسبب المعارضة التي سوف تواجههم من قبل حكومات الدول الثلاث ( إيران - تركيا - سوريا )، ولا يوجد أيّ أضرار جانبية على الوضع في المناطق ذات الكثافة الشيعية أو السنية، وسوف لن يتغير من المعادلة شيء, فالدّولة الفدرالية الكردية التي تنعم بخيرات كردستان وتعيش حالة الاستقلال الكامل بالإضافة إلى حصولها على ( ١٧%) من ميزانية الدولة العراقية ستتحول من الاستقلال ضمن حدود الدولة الاتحادية إلى الاستقلال الفعلي, إما موضوع السيادة ووحدة الوطن والتراب فهذه شعارات أَكل عليها الدهر وشرب، ودفع الأكراد ثمنها خمسة آلاف شهيد في ملحمة واحدة وهي ملحمة حلبجة التي أدمت قلب الإنسانيّة.
إنّ استقلال الأكراد في شمال العراق سوف يفتح الباب أمام الشيعة في الوسط والجنوب للمطالبة بحق الانفصال وإعلان الدولة الشيعية المستقلة وكذلك يفتح الباب أمام السنة العرب لإعلان انفصال الدولة السنية المستقلة وعندها ستنتهي الخلافات الطائفية والقومية، وكلّ مكون من مكونات الشعب العراقي سيعيش حالة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وستفرض هذه الحالة على المكونات الثلاث ضرورة التعاون المشترك لاستثمار الخيرات التي تنعم بها هذه الأرض ليأخذ كل ذي حقٍ حقه بدون هيمنة مكون على مقدرات مكون آخر.
أنّ الرابح الأكبر في هذه المعادلة هم الشيعة في العراق لأن نسبة المناطق الشيعية وما تحتويه من خيرات هي أكبر النسب الثلاث مما سيجعل العرب الشيعة الدويلة الأكثر نفوذاً وقدرة وكثرة عدديّة والأكثر تأثير في التوازنات الجديدة في العراق والمنطقة وسيفتح أبواب من الصراعات الداخلية للدّول الثلاث المجاورة، وستنشغل بنفسها عندما يفكر الأكراد في تأسيس الدولة الكردية الكبرى وسيتخلص العراق من مكائدهم ونفوذهم داخل المناطق الشيعية والسنية.
إنّ عملية تقسيم العراق على أساس قومي أو مذهبي أمرٌ قد لا يوجد مفرّاً منه في المستقبل القريب، وعلى الأطراف الثلاث التي تمثل بيضة القبان في هذه المعادلة التماسك فيما بينها لتحرك العملية بسلام و إلاّ سوف تنشب حرب داخلية في مناطق التقسيم الثلاث بسبب صراع بسط النفوذ وقد تكون المناطق الشيعية الأوسع في دائرة الصراع من اجل النفوذ بين المكونات الشيعية الثلاث ( المجلس الأعلى الإسلامي العراقي - المالكي - التيار الصدري)، وسوف لن تستقر الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في هذه المنطقة، إلاّ بنشر ثقافة حرية التعبير عن الرأي الذي يقود الناس إلى صناديق الاقتراع لاختيار الأصلح.
وهناك مسألة مهمة في هذه المعادلة وهي أنّ الطرف الشيعي هو الوحيد الذي سوف تحكمه وحدة قرار مركزية التي ستساهم في حل الخلافات وتذليل العقبات، فوجود المرجعية الدينية في النجف الأشرف والتي يمتثل لأوامرها نسبة كبيرة من أبناء الشيعة العرقيين وهذه الخصوصية لا يتمتع بها الأكراد ولا السنة العرب.
لماذا الأكراد والحكيم......؟
في زيارة السيّد عمّار الحكيم الأخيرة إلى كردستان استقبله الأكراد استقبال مهيب وعلى أعلى المستويات القيادية في الأحزاب الثلاث الكردية وكذلك شرائح المجتمع الكردي المختلفة مما يثير سؤالاً بديهياً لماذا يحب الأكراد السادة آل الحكيم ؟
إنّ السبب الرئيسي يعود إلى الفتوى الخالدة التي حرمت سفك الدم الكردي والتي أطلقها مرجع الطائفة الكبير السيد محسن الحكيم (قدس)، والتي ساعدت الأكراد في الوقوف بوجه العدوان الذي استهدف الأكراد في حينها مما جعل للسيد محسن الحكيم ( قدس)، دين في أعناق الأكراد ولم يتنصلوا عنه في يوم من ا لأيام وهذا هو سبب حب الأكراد للسادة آل الحكيم والوفاء لهم لرد ذلك الجميل وانعكس موقف وفتوى السيد محسن الحكيم ( قدس) على علاقة الأكراد مع أولاده الماضين والباقين فما قام به الأكراد من استقبال وحفاوة للسيّد عمّار الحكيم في زيارته الأخيرة للأكراد، يعود بالأساس غلى محاولة الأكراد رد الجميل والتعبير عن مدى حبهم لهذه الأسرة العلمائية الكريمة، ولا يخفى على احد إنّ هذه العلاقة ساهمت في تذليل العقبات وحل المشاكل والخروج من الأزمات في الفترة التي أعقبت سقوط الطاغوت في العراق ومن المؤكد الذي لا يقبل الشك إنّ هذه العلاقة ستبقى مستمرة وستكون دائماً ذات تأثير ايجابي في تصفية الأجواء العراقية السياسيّة والاجتماعية.