الحاشية والبِطانة هم خواص الرجل واللصيقين به ، وما من امرءٍ خلقه الله سوياً إلا ومال بطبعه نحو صديق لصيق، يُبيح له بسرّه ويبثُّ له همّه، ويشكو له حاجته، ويستعين به في الملمات، وقضاء الحاجات، فإن غاب عن ناحيةٍ بصرُه كان هذا اللصيق عينَه التي يرى بها تلك الناحية ، وإن عجزت قواه عن مباشرة عمل كان يدَه التي ينجز بها ذلك العمل، وقد يتشتت الذهن في مسأله فتكون الحاشية هي عقله الذي يفكر به . ولا مشكلة في حواشي العوام إن أساءوا أو أخلصوا فغاية ما يتضرر منهم صاحبهم ؛ ولكن حاشية المسؤول أو الشخص العام أميراً كان أو وزيراً ، ومرجعاً كان أو مديراً فإن للحاشية شأن لا يقل عن شأن الأصيل وقد أوصى الانبياء والأوصياء والعقلاء من البشر الأمير وحاشيته فقالوا للحاشية (لا تأمن السلطان، من كان فرسك فيفترسك) ، وقالوا : من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية ، وليأخذ بيده فليخل به ، فإن قبلها قبلها ، وإلا كان قد أدى الذي عليه ، والذي له )، فالأولى بهم أن لا يحابوا الأمير في عدل ولا يجاملوه على باطل وان يكون الله وضميرهم حاضرين عند كل نصيحة أو استشارة ، وان يعلموا أن لا دوام على حال ، وأما وصية علي عليه السلام للأمير بشأن حاشيته وبطانته ومن يلتصق به فهي قوله : (والصَقْ بأهل الورع والصدق، ثم رِضْهم على أن لا يُطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله، فإن كثرة الإطراء تُحدِث الزهو وتُدني من العزة ) . ورِضهم بمعنى روّضهم ، لأن الصراحة مع الوزيز أو الأمير أو الرئيس مجازفة ومغامرة لا يقوم بها إلا من أمن شرها أو اختار الطرد و ربما القتل . والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.