ويمثل انعقاد المؤتمر فرصة لخلق جبهة دولية عربية واسلامية متراصة لمناصرة القضية الفلسطينية وكذا لفضح الانتهاكات والممارسات اللإنسانية بحق الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال وبين هؤلاء الكثير من السجناء والمعتقلين العرب ومن بلدان اسلامية.. ففي احصائية ربما باتت قديمة فإن هناك من الأسرى الفلسطينيين ما بين سبعة آلاف وثمانية آلاف أسير يتوزعون على ٢٧ معتقلا، بينهم قرابة خمسمئة طفل واكثر من مئة إمرأة بينهن ستة عشر قاصر، فضلا عن ثمانمئة جريح وقرابة ألف آخرين يقاسون أمراضاً مزمنة وخطيرة داخل سجون الاحتلال الاسرائيلي وهم بحاجة ماسة للعلاج الطبي والجراحي.
وبالعودة الى المؤتمر..فيبدو ان تأكيدات من اوساط هناك اشارت بأن إلتئام هذا الجمع العربي والاسلامي في بغداد سيخرج دون شك بتوصيات قد تشكل موجة من الضغوط على الاسرائيليين في المحافل الدولية بغية حملهم على اطلاق سراح الاسرى والمعتقلين الفسطينيين والعرب القابعين في السجون الاسرائيلية والعمل على تدويل قضية هؤلاء الاسرى وايصالها الى المحافل الدولية، وذلك بغية ممارسة ضغوط على اسرائيل بهذا الشأن وإلزامها بضرورة إحترام حقوق الاسرى الفلسطينيين الانسانية طبقا لما نصت عليه المواثيق والعهود الدولية، خصوصا وأن القرار الدولي الاخير الذي رفع فلسطين كدولة بصفة مراقب في الامم المتحدة سيتيح لها وضعا قانونيا وسياسيا جديدا يمكنها من التحرك ومتابعة ملف اسراها في زنازين الاحتلال الاسرائيلي.
وبسياق متصل تشكل دعوة العراق وتبنيه وترؤسه لعقد مثل هذا المؤتمر جزءا من فاعليته في رئاسته الدورية للجامعة العربية، وربما إيذناً بعودة بغداد لأداء دورها الرياي في العالم العربي بعد ان كانت غائبة أو مغيبة عن هذا الصعيد لعقود مديدة، وتتزامن هذه العودة مع إرتباك واضح في الساحة العربية لاسيما في عواصم ما يعرف بالربيع العربي وخصوصا مصر التي تشهد اضطرابات دستورية في الوقت الراهن..
ويرى بعض المحللين بأن إقامة مؤتمرات دعم القضية الفلسطينية كانت منهجية تتبعها بعض الانظمة العربية لاغراض داخلية او شعاراتية وفي اطر صورية وغير حقيقية كما كان ديدن النظام الصدامي البائد، حيث كان يقيم مثل تلك المؤتمرات لإشغال الرأي العام العربي والعالمي وحرف الأنظار عما يجري في داخل العراق من انتهاكات وممارسات دمويةٍ تعسفيةٍ ولا إنسانية بحق العراقيين على يد ازلام نظام صدام الدموي.. غير ان مؤتمر بغداد الاخير يبدو انه يختلف عما سبقه من تلك المؤتمرات لطبيعة الظرف العربي المعاش.. وكذا لطبيعة واستحقاقات المرحلة العربية الراهنة التي تشهد حالة لا إستقرار واضح في بنائية الانظمة الحاكمة واضطراب في الاستراتيجيات التي تصطرع فيها توجهات عدة بينها ما هو سلفي وما هو ليبرالي.
ومهما يكن من أمر فإن مقررات هذا المؤتمر وتوصياته تشكل ارضية جديدة فاعلة للفلسطينيين تمكنهم من التحرك إزاء تدويل قضيتهم والضغط على العامل الدولي والاممي الذي يتعاطى مع القضية الفلسطينية بإزدواجية واضحة وغير منصفة.. كما ان توالي مثل هذه المؤتمرات واللقاءات سيسهم دون شك في تعزيز المواقف العربية الداعمة لفلسطين وإعادة بوصلة اتجاهات العالم العربي بإحداثياته وجغرافيته السياسية الجديدة صوب ضفة رفع القضية الفلسطينية لمصاف قضية العرب والمسلمين الاولى كما كانت خلال فترات منصرمة.. ولتتموضع تلك القضية المصيرية بموضعها الطبيعي من جديد بين العرب والمسلمين بعدما كانت قد انحرفت اتجاهاتهم وعقارب بوصلتهم الى اتجاهات اخرى.. نظرا لطبيعة التشوش والإرتباك الذي ألـّمَّ بهم بفعل حشد المتغيرات والضغوط الدولية على هذه الرقعة الجغرافية من العالم..
على اية حال.. يؤمل الفلسطينيون من المؤتمر ان يخرج بتوصيات تتيح دعما معنويا وماديا حقيقيا لقضية الاسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال, وموقفا عربيا يُعيدُ اذرعَ الضغط العربي والاسلامي على اسرائيل، مع هامش من الدعم والفاعلية العالمية والاممية.. سواء من كبرى المنظمات الاممية، او من منظمات حقوق الانسان العالمية، او من الصليب الاحمر الدولي من اجل رفع المطالبات الفلسطينية القاضية بتحميل حكومة اسرائيل مسؤولية دولية لإجبارهم على تحرير الاسرى الفلسطينيين وفك قيد الاراضي الفلسطينية المغتصبة من براثن الاحتلال الذي عاث في الارض الفلسطينية فساد واهلك الحرث والنسل، فضلا عن سلب الفلسطينيين حقوقهم المدنية ناهيك عن السجناء والمعتقلين في زنازينه ومطاميره الوحشية.. والتي يؤكد القاصي والداني انها تتنافى وابسط القوانين والمواثيق والاعراف الدولية والانسانية، إذ ليس بخافٍ ان تل ابيب تعتقل حتى الصغار.. فمنذ عام ألفين يعيش في زنازينها اكثر من الف طفل فلسطيني بتهم وذرائع واهية شتى كبروا في تلك الزنازين وهم يُعرضون للتعذيب والتعسف في انتهاك صارخ وفاضح لكل المواثيق والاعراف والاتفاقيات الدولية.
من هنا.. فمؤتمر بغداد لدعم ونصرة الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين يتيح مجالا رحبا لإعادة ملف هؤلاء المظلومين وبقوة.. وإعادة وضعه فوق طاولات عربية واممية في تحدٍ عربي وفلسطيني جديد للسطوة الاسرائيلية.. وكذا خطوة مهمة وجهدا مميزا يسهم في إذلال السلطات الاسرائيلية وكسر شوكتها.. لاسيما بعد وقع الضربات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية الاخيرة خلال الاعتداء الصهيوني الاخير على أهلنا في غزة.