والمراد من الانتظار المعنى الإيجابي الذي يدفع الانسان نحو تهيئة الأرض وتأمين الظروف المساعدة على تحقيق العدالة الإلهية الكاملة، من خلال توفير الظروف وتجهيز الأنصار، وليس المراد التخلي عن المسؤولية والجلوس في المنزل، ولا ترك الدنيا وأهلها ليعيث المفسدون فيها فساداً، فالإنتظار لا يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يسقط وجوب دفاع المسلمين عن ديارهم وكراماتهم. يقول الشيخ محمد رضا المظفر رضوان الله تعالى عليه:
"ومما يجدر أن نعرفه في هذا الصدد: ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ "المهدي "أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته، والجهاد في سبيله، والأخذ بأحكامه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... بل المسلم أبداً مكلف بالعمل بما أُنزل من الأحكام الشرعية، وواجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة، وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن
المنكر، ما تمكن من ذلك وبلغت إليه قدرته"كلكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عَن رعيَّته"
ولم يقل أحد من العلماء وغيرهم بإسقاط التكاليف قبل ظهوره، ولا يرى منه عين ولا أثر في الأخبار.. نعم.. تدل الآيات والأحاديث الكثيرة على خلاف ذلك، بل تدل على تأكد الواجبات والتكاليف والترغيب إلى مزيد
الاهتمام في العمل بالوظائف الدينية كلها في عصر الغيبة
و في رواية عن عبد الرحمن ابن كثير قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه مهزم، فقال له: جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظر، متى هو ؟ فقال: "يا مهزم كذب الوقَّاتون وهلك المستعجلون ونجا المسلمون "
وقد سئل أهل البيت عليهم السلام مراراً عن الوقت المعين من الله تعالى لظهوره المبارك فرفضوا أن يبينوا الأمر، من ذلك ما روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: سألته عن القائم عليه السلام فقال: "كذب الوقاتون، إنَّا أهلُ بيتٍ لا نوقِّت"
ومحصّل ما في الأمر أن العلم بظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف عند الله تعالى، وحال ظهوره كحال قيام الساعة، كما في الرواية المروية في عيون أخبار الرضا عليه السلام: الهمداني،
عن علي، عن أبيه، عن الهروي قال: سمعت دعبل ابن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي علي بن موسى الرضا عليه
السلام قصيدتي التي أولها:
مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصاتِ
فلما انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج يقوم على اسمِ الله والبركاتِ
يميز فينا كل حق وباطل ويجزي على النعماء والنقماتِ
بكى الرضا عليه السلام بكاءً شديداً ثم رفع رأسه إلي فقال لي: يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام ؟ ومتى يقوم ؟ فقلت: لا يا مولاي، إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهِّر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً، فقال: يا دعبل الإمام بعدي محمد
ابني، وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجَّة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملاها عدلاً كما ملئت جوراً، وأما متى ؟ فإخبارٌ عن الوقت، ولقد حدثني أبي عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم الصلاة والسلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك ؟ فقال: مثله مثل الساعة لأ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلأ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إلأ بَغْتَةً أن إظهار العلماء لعلمهم في غيبته عجل الله تعالى فرجه الشريف لبيان الدين ونشره، وتلبية حاجات المؤمنين واحتضانهم، ورعاية شؤونهم سواء في الجانب العلمي والثقافي بما يوجد من تحديات ومستجدات على هذا المستوى، والجانب العملي من خلال حثهم وتوجيههم ليكونوا من عباد الله تعالى الصالحين والحاضرين لنصرة إمامهم عند لحظة ظهروه عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقد جاء في الرواية عن الإمام الجواد عليه السلام: "من تكفل بأيتام آل محمد المنقطعين عن إمامهم المتحيرين في جهلهم، الأسراء في أيدي شياطينهم، وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم، وأخرجهم من حيرتهم، وقهر الشياطين بردِّ وساوسهم، وقهر الناصبين بحجج ربهم ودليل أئمتهم ليفضلون عند الله تعالى على العباد بأفضل المواقع بأكثر من فضل السماء على الأرض و العرش والكرسي والحجب على السماء، وفضلهم على هذا العابد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء"
ويقول الإمام العسكري عليه السلام: "لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا عليه السلام من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل "
ولأجل أهمية ما يقوم به العلماء في زمن الغيبة من تثقيف للناس وإنقاذ لنفوسهم من أخطار التشكيك والمنحرفين، كان الثواب لهم بمقدار هذه الأهمية، ففي الرواية عن الإمام العسكري عليه السلام: "تأتي علماء شيعتنا القوامون بضعفاء محبينا وأهل ولايتنا يوم القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم على رأس كل واحد منهم تاج بهاء.