بين ولوجك خضم الدراسات الحوزوية يافعا ًوتحملك اعباء مرجعية والدك الوقور ،المترامية الاطراف والمتشعبة المرامي – غضا .وبين التصاقك بمثلك الاعلى وقرين رؤاك الصدر الاول روحا ً وقالبا ً،وبين اختيارك نصرة المظلومين والمستضعفين وركوبك موجة مقارعة الطغاة ،استجابة لأمر الله تعالى الذي اخذ على العلماء ان لايقاروا على كظة ظالم ولاسغب مظلوم بين تلك البدايات الفيوضات الاسطورية ونهايتك الملحمية المدوية حين فاضت روحك الطاهرة محتضنة انفاس جدك المرتضى راضية مرضية لتقر عيناك الدامعتان أبدا ،من خشية الله تعالى..وخوفا ً من معاده ِ تارة .. ورحمة بالمستضعفين وإشفاقا ً على المحرومين وتوجعا ً من حالة امة واضطراب المقاييس تارة ً اخرى . وليستريح قلبك الموجع الوجل على مصير اتباع مذهب اهل بيت النبوة (ع) الدامي ومستقبل اجيالهم الموحش ،ولتحلق روحك الطاهرة مع اسلافك الذين أنفت نفوسهم ان تسكن اللحم والعظم ! بين فيوضات هذا البحر الزاخر من اسرار مسيرتك الظافرة وطريقها الشائك الملغوم ،وبين هالة رحيلك القدسي توزعت سني عمرك الشريف ،فتضمخت بشمم الجهاد واصطبغت بقدسية المحاريب وتخضبت بكبرياء الشهادة.
ترى كيف اختارتك المقادير وصاغتك سرا ً مدهشاً لتتلقفك الظروف فتضعك في اتون مسؤلية شاقة تجشمت شؤنها وشجونها ...ذابت بك وذبت بها راضيا ً مختارا ً انطلاقا ًمن صميم موجبات شرعية ،والتزامات أخلاقية فزادتك إصرارا ً وصلابة وتمسكا ً بالثواب حد التقديس .
سيدي الجليل :- اية تأليفة فريدة شكلت هيكلك العجب استعصى تحليلها حتى على اقرب المقربين منك فضلا ًعن المتحفظين البعيدين عنك والمتربصين بك .كم راعهم كيانك الضخم ،وفاجأهم فكرك الوقاد بعدما اكتشفوا انهم كانوا واهمين حين تصوروا إن مقارعة هذا الرجل البسيط المتواضع ذي العمة والجلباب امر سهل ،بل عادي حتى استفاقوا على دوي بركانك الهادر ،ومدك الجارف فهالهم مايرون من صنيع افكارك وخالوا انك تحدرت من عوالم أ ُخر .لقد ذهلوا لما رأوك ببزتك العسكرية تتقدم الصفوف البدرية كأي مقاتل متمرس على الرغم من المسافة الشاسعة بينك وبين الاكاديميات العسكرية وفنون القتال كونك عالما ًربانيا ًلك اهتماماتك الخاصة ،ويميزك باعك الطويل في علوم اللغة والفقه والاصول والعقائد وكل مايمت للاديان واللاهوت بصلة ومكانتك البارزة ومقعدك الشاخص في حلقات دروس تلك العلوم وفي رحاب المساجد وصوامع الحسينيات واضرحة الائمة الاطهار ...ربما نسوا او تناسوا اوغاب عن اذهانهم انك سليل علي ابن ابي طالب امير السيف والقلم وقطب الحكمة والبيان بلامنازع وسيد سوح الوغى بلا ند ... اجزم انهم كانوا يحترقون غيضا ًوهم يرونك واخوانك اقرب شبها ..واجلى صورة واجدر وادق تطبيقا لمسيرة جدك المصطفى (ص) ووالديك الحسن و الحسين وحوارييهما الرواد الذين كانوا رهبان الليل وفرسان النهار .اجبروك على الهجرة ،وكذا شأن جدك ليذيقوك لوعة الغربة وليحرموك التزود من عبق اجدادك ...وليبعدوك عن غري وادي السلام وطفوف كربلاء وضفاف الفرات ،خبثا ً ولؤما ً،لأنهم خبروا مدى انشدادك وارتباطك بأقداسك وثراهم العطر ..فلم تهن ولم تهتز .. ارتهنوا اهلك واخوانك وأحباءك فلم تهتز ..قايضوك عليهم فلم تنحن ِ ولم تستسلم ،قتلوهم ...ازددت عنادا ً وصمودا ً ..الجأوك للقتال ..لم تلن ولم تستكن ركبت موجة التحدي لتكسر غطرستهم وجبروتهم في مواجهه غير متكافئة وفق كل الحسابات والمقاييس والمعايير العسكرية والستراتيجية حتى اذا جاء نصر الله والفتح وانهارت سلطة البعث الشوفينية وسقط صنمها المتغطرس وفرت فلول الظالمين وضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت عليهم انفسهم دخلت ظافرا ،رصيدك القلوب الوالهة لمقدمك وحراسك العيون العطشى لطلعتك البهية ومركبك العواتق والاعناق والأكف ،وشهودك ملايين الحناجر التي تهتف مدوية (وين الحاربك وينه) وهي تزفك من حدود البصرة في كرنفال استقبال مهيب مذهل مدهش هيهات ان يحظى به زعيم ديني اومدني اوعسكري على مر العصور . من الطبيعي ان يرعب المنظر هذا اعداءك ،وان يعظوا اناملهم حسدا وغيضا وحقدا ...وان يعدوا للشر عدته. وخطبك المدوية المعطرة بأنفاس التسامح والعفو الداعية الى الوحدة الوطنية ونسيان الماضي والحاثة على بناء العراق الجديد وتحقيق استقلاله والتي الهبت حماس الجماهير وزرعت في افئدتهم برامجك المستقبلية وتطلعاتك المتفائلة بتحقيق طموحات العراقيين وسعيك الى تثبيت الاستقلال والسيادة وارساء قواعد الديمقراطية واقامة حكومة دستورية دائمة والحرص على كل مَا مِن شأنه توحيد صفوف العراقيين ورفع الغبن والحيف عنهم ،هذه الخطب المفعمة بالمشاريع الطموحة المطرزة بالصدق والاخلاص المسلحة بالجد والعزم نبهت اعداء العراق وتجربته الرائدة الى حجم الخطر الذي يهدد مصالحهم وينسف مشاريعهم ، خطر ولا كل الاخطار تجسدت في شخصية رمزية اصيلة واعدة عنوانها مــــحــــمـــد بــاقــــر الحـكــيـــــم ...ولذا لم يمهلوك حتى تروي ظمأ شوقك لأجدادك واحبائك وتربتك سوى ثلاثة شهور، تسعون يوما فقط مقابل خمسة وعشرين عاما من وحشة الغربة وحرقة الفراق .لم يمنحوا العراقيين اكثر من تسعين يوما لاستلهام افكارك والتبرك بفيوضاتك ، كبر عليهم ان يعطوا العراقيين برهة لاستيعاب طموحك وترجمة رؤاك التي رؤا فيها شموخ العراق وجعله في مصاف ارقى دول العالم المتحضر .
قال المقربون منك بأنك تعرضت لتسع محاولات اغتيال ..وقالوا بل احدى عشرة ونقول انها تسعين ،فمنذ ان وطأت قدماك الشريفتان ارض آبائك واجدادك منهيا سني الظلم والاضطهاد وعيون الشر تترصد مسارك ،تعد انفاسك وتقفوا اثر خطاك ، ونقول انها بعدد سني عمرك الجهادي الحقيقي حين وضعت نفسك مشروعا ً للاستشهاد ،وطلبت الشهادة بلهفة اجدادك الذين صار القتل لهم عادة وكرامتهم من الله الشهادة .
ولاغرابة فهذا دأبكم وهذا دينكم يرثه الآباء عن الاجداد ليضعوه امانة في اعناق الاحفاد حتى يرث الله الارض ومن عليها،ما اشقانا وما اتعسنا ،تتنزلون لنا كتبا ً مقدسة وصحفا ً مطهرة ولكننا قوم لانجيد القراءة .تهطلون علينا ودقا ً مباركا ً فنعرض عن فيوضات وسميّكم لتتلقفها محرورة الصحراء او لتخضر منها روابي قوم اخرين ،تملأون ربوعنا خصبا ً ورواءاً ،فنملأ قلوبكم قيحا ً ونشحن صدوركم غيضا ً ، فهنيئا ً لكم ومرحى ما اسعدكم وقد باهى بكم الرب ملائكته المقربين. مصابنا بكم جلل ..وفاجعة ما بعدها فاجعة .. وحدث تجاوز حدود الاحداث .
حدث تكاملت اركان عظمته :زمان بقدسية رجب ..مكان بطهارة علي ..سيد بدماء الحسن . حدث بهذا التكامل يليق بان يكون كرنفالا سنويا للشهيد العراقي .