ويشير ذلك المصدر المسؤول الذي طلب عدم الافصاح عن هويته الى "ان الفريق الطبي المعالج للرئيس الطالباني استنفد كل السبل والوسائل التي يمكن ان تخرج الطالباني من وضعه الصحي الحرج، لذلك فأن بأمكانه-اي الفريق الطبي- فعل شيء، وهذا مانقل الى افراد عائلة الرئيس وكبار قياديي الاتحاد الوطني الكردستاني، وتحديدا الى عقيلته هيرو ابراهيم احمد، ولنائبيه كوسرت رسول علي وبرهم صالح".
في غضون ذلك طالبت رئاسة الادعاء العام في العراق من مجلس النواب انتخاب بديل للطالباني في منصب رئاسة الجمهورية، مستندة في ذلك الى المادة (٧٢/ ثانياً/ ج) من الدستور العراقي، والتي تنص على انه "في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية لأي سببٍ من الاسباب، يتم انتخاب رئيسٍ جديد لاكمال المدة المتبقية لولاية رئيس الجمهورية".
وفي مذكرة لها الى رئيس البرلمان اسامة النجيفي طالبته رئاسة الادعاء العام "بأتخاذ الإجراءات القانونية نظراً لمرور فترة طويلة على غياب فخامة رئيس الجمهورية عن منصبه".
وبدوره احال النجيفي الطلب الى اللجنة القانونية البرلمانية للنظر فيه، ومن المستبعد ان تبت الاخيرة في هذا الموضوع الحساس خلال فترة قصيرة، لاسيما وان البرلمان بدأ عطلته التشريعية والتي تستمر حتى الثامن عشر من شهر حزيران-يونيو المقبل.
بيد ان رئيس اللجنة القانونية والعضو في حزب الطالباني خالد شواني قال في مؤتمر صحفي مشترك مع نائب رئيس اللجنة والعضو التيار الصدري، "ان طلب الادعاء العام باتخاذ الإجراءات القانونية بخصوص خلو منصب رئيس الجمهورية، مخالفة دستورية تتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات، اذ انه ليس من صلاحيات الادعاء العام تقديم طلب بهذا الشأن، لان قانونه لا يتضمن مادة قانونية تمنحه هذه الصلاحية".
ويضيف شواني شواني قائلا "ان منصب رئيس الجمهورية لم يخلو بل كان هناك غياب، وأن قانون ترشيح رئيس الجمهورية يوضح هذه الفقرة بشكل واضح وصريح، وبالتالي هذا الطلب غير دستوري".
وللتقليل من اثر واهمية المعلومات التي تتحدث عن تدهور صحة الرئيس الطالباني الى حد كبير، والشائعات المتداولة عن وفاته، قال النائب في البرلمان العراقي عن التحالف الكردستاني محسن السعدون ان الرئيس جلال الطالباني سيظهر قريبا على شاشات التلفاز وان وضعه الصحي على مايرام.
وعن ترشيح بديل للطالباني لمنصب رئاسة الجمهورية يؤكد السعدون "ان موضوع ايجاد بديل عن رئيس الجمهورية متعلق بحزب الاتحاد الوطني الذي يتزعمه طالباني للبت في هذا المنصب المهم للشعب العراقي وللتحالف الكردستاني ولكننا ننتظر التقرير النهائي عن صحته من الفريق المعالج".
ومنذ تعرض الرئيس الطالباني للازمة الصحية الخطيرة التي نقل على اثرها الى المانيا اواخر العام الماضي، راحت تتسرب المعلومات عن الخلافات والتقاطعات بين قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني حول خلافته في منصبي رئاسة الجمهورية وزعامة الاتحاد الوطني، وبرزت عدة اسماء من بينها كوسرت رسول علي وبرهم صالح وعقيلة الرئيس السيدة هيرو ابراهيم احمد، في ذات الوقت شهدت الشهور القلائل الماضية جولات مكوكية لهذه الشخصيات على عدة دول من بينها ايران وتركيا والولايات المتحدة الاميركية، وكان اخرها زيارة عقيلة الرئيس الى طهران، حيث التقت برئيس الجمهورية محمود احمدي نجاد ، وبأمين عام مجلس الامن القومي سعيد جليلي، تبعتها زيارة مماثلة لطهران قام بها مؤخرا النائب الثاني للطالباني، برهم صالح، وفي وقت سابق زار الاخير ومعه النائب الاول لحزب الاتحاد كوسرت رسول علي انقرة، والاخير زار واشنطن ايضا، ناهيك عن زيارات اخرى غير معلنة.
ورغم انه من الصعب التكهن بمن سيخلف الطالباني، الا ان حظوظ برهم صالح لتولي رئاسة الجمهورية هي الاوفر بحسب الكثير من القراءات والمعطيات، بيد ان القضية الاكثر تعقيدا تكمن في موقع زعامة الاتحاد، الذي يبدو ان كوسرت رسول غير مستعد للتخلي عنه، وعقيلة الرئيس التي طرحت نفسها بصورة غير مباشرة لرئاسة الجمهورية، لكنها اصطدمت بعدم ترحيب على الصعيد الداخلي، والصعيدين الاقليمي والدولي، ترى انها الاحق بزعامة الحزب، لاسيما وان القاعدة الجماهيرية المؤيدة لزوجها سوف تقف ورائها بقوة.
وفي خضم هذه التفاعلات، تبرز الى السطح اشارات ومخاوف وهواجس من حصول تصدعات في حزب الطالباني بعد رحيله، يمكن ان تفتح الباب واسعا لخيارات غير واضحة حتى الان، ربما يكون واحدا منها هو عودة حركة التغيير الى جسد الاتحاد بشرط تولي نوشيروان مصطفي- الذي يحظى بشعبية واسعة في اوساط عديدة بمناطق نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني، وله تأريخ طويل في العمل السياسي-زعامة الحزب خلفا لرفيقه القديم الطالباني.
وقد لاتخرج التقارير التي تداولتها بعض وسائل الاعلام مؤخرا عن الخلافات بين حركة التغيير وحزب الاتحاد عن مايطرح ويثار خلف الكواليس عن خيار اندماج الحزبين خلال مرحلة مابعد الطالباني.
وكل ذلك الحراك في مدينة السليمانية ليس بمنأى عن دوائر السياسة وصناعة القرار في مدينة اربيل حيث الحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه مسعود البارزاني الذي بدأ منذ اسابيع قلائل بخوض معركة هادئة من اجل البقاء في منصب رئيس الاقليم لمدة اربعة اعوام اخرى وسط معارضة غير قليلة، بأعتبار ان دستور اقليم كردستان حدد الرئاسة بولايتين، وطبيعي ان عدم ظفر البارزاني بولاية ثالثة في الاقليم ربما يجعله يفكر برئاسة الجمهورية في بغداد، وهذا يلزم الدوائر المعنية بهذا الملف الشائك بأعادة ترتيب اوراقها وحساباتها.
وفي كل الاحوال فأن الجزء الاكبر من الجدل والسجال والخلاف سيبقى محصورا في كواليس خاصة وخلف غرف مغلقة مادام الطالباني موجودا على قيد الحياة، ولو شكليا، ولكن ما ان يغيب عن المشهد بالكامل فأن ابواب الغرف ودهاليز الكواليس ستنفتح مرة واحدة، وسيجد الجميع انفسهم امام الاستحقاق الاصعب.