مشاركة مليونية غير مسبوقة
وبالنسبة لاعداد الزائرين، فقد اختلفت التقديرات والاحصاءات، الاّ أن الرقم الاقرب الى الواقع هو ما ذكره الامين العام للعتبة الكاظمية المقدسة فاضل الانباري، اذ صرّح بأن عدد الزائرين هذا العام تجاوز سبعة ملايين زائر، جاؤوا من مختلف محافظات ومدن العراق، الى جانب عشرات الالاف من الزائرين الاجانب القادمين من دول عربية واسلامية مختلفة في مقدمتها ايران والبحرين والكويت والسعودية ولبنان وباكستان والهند، فضلاً عن عدد من أبناء الجاليات المسلمة في دول أوروبا وأميركا واستراليا.
وبحسب مصادر رسمية فإأن عدد الزوار الاجانب ناهز خمسين ألف زائر، دخل القسم الاكبر منهم عبر مطارات النجف الاشرف وبغداد والبصرة، الى جانب المنافذ البرية بين العراق وكل من ايران والكويت. ومقارنة بالعام الماضي، فإن عدد الزائرين هذا العام ازداد بمقدار مليون ونصف المليون، علماً ان عدد الزائرين في العام الاول بعد الاطاحة بنظام صدام، أي في عام ٢٠٠٣، بلغ مليونين ومائتين وخمسين ألفا، وهذا يعني ان العدد ارتفع بعد عشرة أعوام بمقدار ضعفين.
خطة أمنية ناجحة
والملاحظ أن مراسم الزيارة المليونية لم تشهد أية عمليات ارهابية، كما حصل في الاعوام السابقة، وهذا يعود الى نجاح الخطة الامنية التي وُضعت من قبل الجهات المعنية المتمثلة بوزارات الداخلية والدفاع والامن الوطني، الى جانب جهاز المخابرات الوطني ومديرية مكافحة الارهاب. وقد تمكّنت التشكيلات المكلّفة بحماية الزائرين من إحباط محاولات لاستهدافهم في بعض المناطق، حيث وضعت اليد على أسلحة واعتدة وسيارات كانت معدّة للتفجير، وألقت القبض على العشرات من العناصر الارهابية.
وتجدر الاشارة الى انه كانت هناك مخاوف كبيرة من حصول عمليات ارهابية واسعة ضد حشود الزائرين المتوجهين سيراً على الاقدام الى مرقد الامامين الكاظمين من مدن ومناطق بعيدة، لا سيما وان العاصمة بغداد ومحافظات أخرى شهدت خلال الاونة الاخيرة تصعيداً خطيراً ومقلقاً في العمليات الارهابية، أدّى الى سقوط أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى أغلبهم من المدنيين، حيث سجل شهر أيار/مايو الماضي سقوط أكثر من ٦٠٠ شهيد وأكثر من ١٢٠٠ جريح. وأكّد قائد عمليات بغداد الفريق الركن عبد الامير الشمري "ان نجاح الخطة الامنية تحقّق بفضل التعاون والتنسيق العالي بين الاجهزة الامنية ووزارات ومؤسسات الدولة المختلفة".
خطط صحية وخدمية ناجحة
الى جانب ذلك، فإن الخطة التي وضعتها وزارة الصحة قد حققت نجاحاً كبيراً، بحسب ما ذكر المتحدث الرسمي باسم الوزارة زياد طارق قائلاً "ان الخطة التي وضعتها وزارة الصحة بخصوص احياء ذكرى استشهاد الامام موسى بن جعفر عليه السلام نجحت، وأنها تعد من أفضل الخطط وبشكل ملموس على طول الطريق المؤدي الى مرقد الامام (ع)، حيث انتشرت سيارات الاسعاف والكوادر الطبية، اضافة الى فرق الرقابة على طعام الزائرين، وكانت غرفة العمليات تتابع الموضوع على مدار الساعة باشراف مباشر من وزير الصحة على واقع سير العمليات، ولم تشهد مراسم الزيارة أي حالة سلبية او خرق".
وكانت مصادر رسمية قد اشارت الى ان ١٦٣٠ مراقباً صحياً اضافة الى ٧٥ طبيباً شاركوا في تقديم الخدمات الطبية للزائرين في بغداد والمحافظات.
وفي ذات الوقت، أكّدت أمانة بغداد، التي اعتبرت هذا اليوم دواماً رسمياً لكافة كوادرها ومنتسبيها، في حين أعلن مجلس الوزراء يوم الزيارة عطلة رسمية في العاصمة بغداد، أكّدت على لسان أمينها بالوكالة عبد الحسين المرشدي "ان الخطة التي وضعتها امانة بغداد لتقديم الخدمات للحشود المليونية التي احيت ذكرى استشهاد الامام الكاظم عليه السلام حققت نجاحاً باهراً بفضل تضافر الجهود الاستثنائية التي بذلتها الدوائر البلدية الاربع عشرة والدوائر الاخرى المساندة لها التي عملت على مدار الساعة وبإشراف ميداني مباشر من قبل الملاك المتقدم في الامانة الذي تواجد طيلة الخمسة ايام الماضية في مدينة الكاظمية المقدسة".
وبخصوص عمليات نقل الزائرين الى محافظاتهم التي قدموا منها بعد أدائهم مناسك الزيارة، شاركت عدة وزارات في تأمين وسائل النقل المناسبة، ففي هذا السياق اشتركت وزارة الدفاع بعدد من وسائل النقل الى جانب وزارات الاسكان والاعمار والنقل والتجارة، بيد ان ذلك لم يحل دون حصول ارتباكات في هذا الجانب، وذلك أمر اعتبره البعض طبيعياً في ظل الاعداد الغفيرة من الزائرين.
تشييع رمزي لنعش الامام (ع)
وتخللت مراسيم الزيارة تشييعاً رمزياً للامام الكاظم، انطلق من ساحة عبد المحسن الكاظمي وسط المدينة وانتهى بضريح الامام عليه السلام، وشارك فيه عشرات الالاف من الزائرين العراقيين والاجانب، في ظل اجواء حارة بلغت درجات الحرارة فيها حوالي ٤٢ مئوية.
أضف الى ذلك، فإن اعداداً غفيرة من الزائرين استمعت الى سرد جوانب من مظلومية الامام الكاظم (ع) على أيدي حكام عصره، وشاركت بمأتم تعزية في صحنه الشريف، علماً ان المراقد المقدسة في كربلاء والنجف وسامراء ومدن أخرى شهدت مراسم مماثلة.
ثلاثة آلاف موكب لخدمة الزائرين
وبشأن مواكب الخدمة الحسينية المعنية بتقديم الخدمات وتوفير وسائل الراحة للزائرين، تجاوز عدد تلك المواكب الثلاثة الاف موكب في داخل الكاظمية المقدسة، وعلى امتداد الطرق المؤدية اليها التي سلكها الزائرون للوصول الى المرقد الشريف. وكما هو الحال في مسيرة الزيارة الاربعينية، وفرت مواكب الخدمة مختلف انواع الاطعمة والاشربة واماكن اداء الصلاة والنوم والعلاجات الطبية، فضلاً عن خدمات الاتصالات الهاتفية ومراكز المفقودين ومستلزمات النظافة.
وما لوحظ في هذا العام هو مشاركة أبناء الطوائف والديانات المختلفة في تقديم الخدمة لزائري الامام الكاظم (عليه السلام) بمستوى أكبر من الاعوام الماضية، فقد كانت هناك مواكب حسينية لابناء الديانتين المسيحية والصابئية، وكذلك لابناء المذهب السني، ولابناء القوميات الكردية والتركمانية والشبكية. وقد مثلت هذه المشاركة الواسعة والمتنوعة رسالة بالغة الاهمية على عمق التلاحم والتآخي بين مختلف مكونات المجتمع العراقي من جانب، وشمولية أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من جانب آخر، منهجاً وفكراً وسلوكاً.