التأليف الذي صنع بين هذه القلوب إنما صنع بواسطة البرامج التي تساعد على تهذيب النفوس والقلوب، وتحقيق العدالة والمساواة بين الناس منها؛ لأنه إذا حصل تمييز بينهم، يوغر القلوب بالعداوة، أنت لا تستطيع أن تجمع بين أشخاص يؤلب بعضهم على بعض لتحقق المحبة فيما بينهم، ونجد ذلك في حال التمييز بين الأبناء، لذا يجب المساواة بينهم، وهذا ما تشير إليه مضامين النصوص الكريمة، إن مما يؤلب صدور الأبناء تجاه بعضهم هو التمييز بينهم؛ وبين الناس بشكل عام.
إذا كان نظام من الأنظمة، أو دولة من الدول تميِّز بين مواطنيها، وتمارس سياسة التمييز بينهم، من الطبيعي أن هذه السياسة لا تساعد على إيجاد جو من المحبة والوئام، فالذي يحصل على الامتيازات سيشعر بالتعالي، ويريد أن يحافظ على تلك الامتيازات، ومن يفقد تلك الامتيازات يشعر بالغبن، ويريد أن ينتقم لظلامته.
الإسلام مبادئه جاءت لترسي العدالة والمساواة بين الناس، وقد طبقها رسول اللّه فغرس المحبة، وجعل النظام هو الحاكم، مثلًا: المستحب شرعًا أن الرجل إذا شرب الماء يعرض على من حوله، فيبدأ بمن على يمينه، ثم من على شماله، كائنًا من كان، الرواية تقول إن الرسول كان جالسًا وجيء له بماء ليشرب منه، وكان على يمينه صبي صغير، وعلى شماله شيوخ الصحابة ـ ووفقًا للاستحباب الشرعي أراد أن يبدأ بمن على يمينه، ولكن وفقًا للحالة الاجتماعية التي تراعي موقعية الشخصيات الكبيرة، تقول الرواية: «التفت الرسول إلى الصبي الذي على يمينه وسأل الصبي إن كان يأذن أن يبدأ كبار وشيوخ الصحابة بشرب الماء، فأجابه الصبي بالرفض، إن هذا التصرف من رسول اللّه تحقيق وتطبيق لمبادئ العدل والمساواة، وهي تعد عاملًا أساسًا من عوامل توفير المحبة والوئام في نفوس الناس.
إن التنافر والعداوة بين البشر، بسبب حالات الأنانية المفرطة، والحسد والأحقاد، إن الحضارة المادية تفتقد إلى تهذيب النفس والروح، وساعدهم على ذلك أن أساليب وخطاب التهذيب الروحي والنفسي عند المتدينين لم تتطور، كما يقتضي تطور الحياة الفكرية والاجتماعية.
إن جماعة يكون لديها هدف جماعي رفيع، لا بدّ وأن يشغلها ذلك الهدف عن الصغائر والقضايا الجانبية، الإسلام أعطى أولئك الناس الذين كانوا يعيشون حياة الصحراء، والتقاتل على المرعى والتفاخر بالأشياء الثانوية منحهم هدفًا كبيراً وتطلعاً آخر، فجمع عقولهم وقلوبهم على هدف سامٍ كبير.
إن الثقافة تجعل الناس يحبون بعضهم بعضاً، في المقابل هناك ثقافة اخرى تؤلب الناس بعضهم على بعض، فتبرز لكل طرف الجانب السلبي عن الآخر، هذه ثقافة تحرض على الكراهية.
بين المسلمين أنفسهم، هنالك تحريض على الكراهية على الصعيد المذهبي، هذه ثقافة تحريض على الكراهية، بوجودها لا يمكن أن تكون هناك وحدة أو وئام، لأنها تمنع هذا التوجه النفسي والقلبي.
إن الإسلام يهتم بنشر ثقافة المحبة بين الناس، أن يحبوا بعضهم بعضاً، وإن اختلفت إنتماءاتهم القبلية والمذهبية والمناطقية وحتى الدينية، الإسلام لا يقول لك أن من يختلف معك في الدين فهو عدوك، و فيما روي عن الرسول الأكرم: «من آذى ذميًّا فقد آذاني» إن ثقافة المحبة، والترويج للمحبة بين الناس من شأنه أن يحقق الوحدة والالفة.
وورد في رواية عن الإمام الباقر : «وهل الدين إلا الحب» الدين في عمقه الحب، للحياة وللناس، وروي عن النبي : «لا تزال أمتي بخير ما تحابوا» وعن النبي : «رأس العقل بعد الإيمان باللّه ـ التودد إلى الناس واصطناع الخير إلى كل بر وفاجر» حتى لا يتوهّم الإنسان أن التودد إلى المؤمنين فقط، بل إصطناع الخير لكل بر وفاجر، وعنه : «التودد نصف الدين» ، وعنه في وصف شر الناس، قال: «الذي يبغض الناس ويبغضونه»، وفي وصية جميلة للنبي أوصاها لعلي : «يا علي، إذا أردت مدينة أو قرية، فقل حينما تعاينها: اللّهم إني أسألك خيرها وأعوذ بك من شرِّها. اللّهم حببنا إلى أهلها، وحبب صالحي أهلها إلينا» والله عز وجل يقول في محكم كتابه ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٣٣:٢١) سورة الأحزاب
وهناك نصوص كثيرة جدًا على هذا الصعيد أن تكون نفس الإنسان عامرة بالحب تجاه الآخرين وليس بالحقد عليهم، فإذا قال هذا أكرهه لأنه يختلف معي في الدين، أو لأنه يختلف في المذهب، فالحب يكون في الله.