وقد شكّل وصول المالكي صباح اليوم الى اربيل، ولقائه رئيس الاقليم مسعود البارزاني، بعد قطيعة امتدت الى مايقارب ثلاثة اعوام، وبروز ازمات عديدة بين الجانبين كاد بعضها ان يصل الى نقطة اللاعودة، شكّل الحدث الأبرز على الساحة السياسية العراقية، نظراً لأن هذه الخطوة من شأنها أن تضع حدا للحملات الاعلامية المتبادلة التي تنعكس سلبا على الواقع السياسي العراقي في ظل الاصطفافات الداخلية والخارجية.
المالكي ومسعود البارزاني في أربيل
كما تمهّد هذه الزيارة لإزالة "جبل الجليد" الذي تعاظم في الفترة الأخيرة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، ما من شأنه ان يفتح افاقا لحوار جاد وبناء لمعالجة الاشكاليات والازمات القائمة، وبالتالي حلحلة الازمات التي يشهدها الواقع السياسي العراقي.
هذا وبرزت جملة ملفات على طاولة المالكي في اربيل، هي ذاتها التي بحثها وتداولها المالكي مع رئيس حكومة اقليم كردستان نيجرفان البارزاني خلال زيارة الاخيرة لبغداد في التاسع والعشرين من شهر نيسان-ابريل الماضي، وتمحورت حول العقود النفطية، واستحقاقات قوات البيشمركة، والمناطق المتنازع عليها، وتنفيذ الاتفاقات المبرمة بين الطرفين.
وكانت نتائج مباحثات المالكي والبارزاني في بغداد قد تحددت بالنقاط التالية:
١- تشكيل لجنة مشتركة لحسم قانون النفط والغاز على أساس الاتفاق السابق الذي ابرم في شهر شباط –فبراير ٢٠٠٧ بين الجانبين.
٢- تعديل قانون موازنة العام ٢٠١٣.
٣- معالجة مشاكل قيادات عمليات دجلة ونينوى والجزيرة، حيث ستكون إدارة الملف الأمني في المناطق المتنازع عليها بشكل مشترك بين الإقليم وبغداد.
٤- يعمل الجانبان للمصادقة على مشروع قانون ترسيم الحدود الادارية للمدن والمناطق والتي تم تغييرها في زمن النظام البائد ضمن سياسات التعريب وتخريب الأوضاع الأثنية والمذهبية، علما ان المشروع المذكور قدم من قبل رئيس الجمهورية جلال طالباني الى مجلس النواب قبل حوالي عام.
٥- ادارة ملف تأشيرات الدخول والمطارات بصورة مشتركة بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية.
٦- ان تقوم الحكومة الاتحادية بتعويض ضحايا القصف الكيمياوي و"المؤنفلين" والانتفاضة الشعبانية والمرحلين الكرد الذين نزحوا الى دول الجوار.
٧- لتعزيز التعاون وتبادل المعلومات سيتم تعيين ممثل لإقليم كردستان في بغداد وممثل للحكومة الاتحادية في إقليم كردستان.
ولاشك ان ترجمة تلك النقاط الى واقع عملي على الارض تبدو مهمة غير يسيرة، فهي تحتاج قبل كل شيء الى استعادة وتعزيز الثقة بين الطرفين، وبعضها يتطلب الأمر تشريعات برلمانية، او توافقات وتفاهمات سياسية على نطاق اوسع، ناهيك عن الوقت الذي قد يستغرقه تنفيذ البعض منها.
واذا كانت الفقرة الاكثر اهمية في زيارة المالكي لاربيل، بعيدا عن عقد جلسة مجلس الوزراء الاتحادي فيها، هي لقاء المالكي والبارزاني، والتحدث بصراحة وبقدر كبير من المكاشفة، واستكمال النقاشات بشأن تنفيذ النقاط المتفق عليها في بغداد قبل خمسة اسابيع، فأنه من غير المنطقي توقع حدوث تغييرات دراماتيكية سريعة في واقع العلاقة بين بغداد واربيل. ولعل القراءات والتقييمات الاولية من كلا الجانبين تنحو بهذا الاتجاه.
ففي الوقت الذي يرى القيادي في حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" سعدي احمد بيرة "ان زيارة المالكي لاربيل لها اهمية كبيرة في ترطيب الاجواء وجعل مبادرات انفراج الازمة اكثر تفعيلا"، يؤكد النائب في البرلمان العراقي عن التحالف الكردستاني عبد السلام برواري انه "لايوجد اي مبرر يجعلنا نتوقع انفراجا للازمة بين الاقليم والمركز بسبب زيارة المالكي الى اربيل، لان المشكلة ليست خلافات على حقوق، وانما هي تصادم بين نهجين في ادارة وحكم البلاد، خصوصا وان مسارات العملية الديمقراطية اخذت بالانحراف".
في مقابل ذلك يعتقد النائب عن ائتلاف "دولة القانون" والعضو في حزب "الدعوة" فؤاد الدوركي "ان الحل الامثل لانهاء ملفات الكرد يكون بالاتفاق على تفسيرات موحدة لمواد الدستور، وان الاقليم في الاونة الاخيرة تجاوز صلاحياته الممنوحة في الدستور من خلال طرح مطالب يصعب تلبيتها لسقوفها العالية".
هذا التفاؤل المشوب بالحذر، الذي يربط الحلول بخطوات اساسية يشكل البعض منها عقداً قد تبدو صعبة التفكيك، يعكس جانبا من المشهد الشائك بين بغداد واربيل، ويؤشر الى تراكم المشاكل والازمات، وتلاشي وغياب الثقة.
"الثقة والجدية والارادة وحسن النوايا"، مفاتيح اساسية لفتح كوة في جدار العلاقة بين الاكراد والحكومة الاتحادية.. هذا مايقوله مستشار مقرب من المالكي، ويضيف أن التصدع الذي تعرضت له تلك العلاقة، لايمكن ان ترممه زيارة رئيس الوزراء الى اربيل ولقائه رئيس الاقليم مسعود البارزاني، بيد انها مهمة جدا للانطلاق، ولو لم يأت رئيس حكومة الاقليم نيجرفان البارزاني الى بغداد، لما ذهب المالكي الى اربيل، وهذه الزيارة ربما تمهد الطريق لمجيء مسعود البارزاني الى بغداد".
قد تكون الظروف السياسية والامنية العامة التي يعيشها العراق، والحراك السياسي المقلق في اقليم كردستان حول البديل للرئيس جلال الطالباني، وحول تجديد الولاية للرئيس البارزاني، وطبيعة التحديات الخارجية، دافعا للفرقاء في بغداد واربيل الى البحث عن نقاط مشتركة وصياغة تفاهمات تساهم في تخفيف الاحتقانات، وتقليل الخسائر، واحتواء الازمات، ولو بقدر معين.