ولعل الاشارة الى جملة من المعطيات تنطوي على اهمية كبيرة لتوضيح الصورة بكل ابعادها وملامحها والوانها.
-ففي العشرين من شهر ايلول –سبتمبر الماضي زار وفد يضم امناء سر الاتحادات الخليجية الكروية برئاسة رئيس لجنة الامناء وامين سر الاتحاد القطري لكرة القدم سعود الهندي العراق وتفقد المدينة الرياضية في محافظة البصرة. وقد ابدى رئيس الوفد اعجابه بالمدينة الرياضية في البصرة واصفا اياها بجوهرة الخليج ومفخرة للعمل الجاد من اجل النهوض بواقع البنى التحتية في العراق الى مصاف العالمية . كما عبر الوفد ولجنة المهندسين عن اعجابهم بملعب الزبير الذي اعيد اعماره من قبل وزارة الشباب والرياضة لاجل ان يكون جاهزا للتدريب. وبين الهندي ان صرح المدينة الرياضية هو ارث عراقي كبير مبهر ولمسة كبيرة لانجاح البطولة الخليجية واية بطولة اخرى لما تحويه هذه المدينة من منشات رياضية متكاملة.
-اكدت اطراف خليجية عديدة من بينها الكويت وعمان استعدادها لارسال رياضييها الى العراق للمشاركة في خليجي ٢٢ وانجاحه بأفضل صورة، وهذا ماذكره واكده مسؤولون في الاتحاد العراقي المركزي لكرة القدم ووزارة الشباب والرياضة العراقية، واكدوا ايضا ان هناك حراكا خلف الكواليس توجهه بقوة كل من السعودية والبحرين، وتدعمه وتسانده على استحياء ومن خلف الكواليس كل من قطر والامارات، لسحب البساط من اقدام العراق.
-قوبلت التصريحات الايجابية التي ادلى بها سعود الهندي من البصرة بأنتقادات حادة من اوساط رياضية سعودية وقطرية، رأت في تلك التصريحات مجاملات لاقيمة ولامبرر لها.
-مع اقرار حقيقة ان هناك امورا واجراءات لم تستكمل حتى الان في المدينة الرياضية في البصرة وما يتعلق بها لتنظيم خليجي ٢٢، فأن الفترة الزمنية المتبقية، وهي قرابة اكثر من عام تعد كافية لانجاز ما هو مطلوب، ومعالجة الثغرات والنواقص الموجودة.
-الملفت انه في الوقت الذي كان العراق يتحرك ويعمل بوتائر متسارعة لاكمال استعداداته للبطولة الخليجية منذ عدة شهور، تلقى اتحاد كرة القدم كتابا رسميا من الاتحاد الدولي للعبة (الفيفا)، مطلع شهر تموز-يوليو الماضي، يشير الى ان الاخير قرر ايقاف العمل بالقرار السابق للجنة التنفيذية للاتحاد الدولي والذي تم بموجبه السماح للمنتخبات والاندية العراقية باللعب داخل العراق وللمباريات الودية، والسبب بحسب (الفيفا) "التفجيرات الاخيرة التي حصلت في بغداد ومحافظات العراق الاخرى والتي راح ضحيتها كوكبة من ابناء الشعب العراقي بين شهيد وجريح ومن ضمنهم بعض اعضاء عائلة كرة القدم العراقية". علما ان التفجيرات المشار اليها لاتمثل شيئا جديدا في المشهد العراقي، فضلا عن ذلك فأنه في الوقت الذي تعد بعض المدن والمناطق غير مستقرة امنيا، هناك مدن ومناطق تتميز بأستقرار امني جيد مثل مدن اقليم كردستان ومدن الجنوب كالبصرة.
ويبدو ان تأثير وسطوة المال السعودي والقطري امتد الى اروقة وكواليس الفيفا، ووصل الى رأس الهرم، متمثلا برئيسه جوزيف بلاتر، وهذا ماتحدثت به اوساط رياضية عراقية وغير عراقية.
-كان مقررا ان يجري المنتخب العراقي لكرة القدم مباريات ودية مع منتخبات خليجية خلال فترة الاسبوعين الماضيين في اطار التحضير والاستعداد لتصفيات امم اسيان وتحديدا مباراته المقررة يوم الخامس عشر من الشهر الجاري مع السعودية، بيد ان الضغط السعودي تسبب في اعتذار الفرق الخليجية الست.
وفي هذا الشأن اتهم عضو الاتحاد العراقي لكرة القدم كامل زغير المنتخبات الخليجية بعدم رغبتها باللعب امام المنتخب العراقي نتيجة خضوعها للتأثير السعودي، ويؤكد زغير في تصريحات صحفية "ان الاتحاد السعودي لكرة القدم يقف وراء رفض عدد من المنتخبات الخليجية ملاعبة العراق وديا للاستعداد لملاقاته منتصف شهر تشرين الاول الجاري".
-بينما انطلقت اشارات ايجابية من رئيس وفد امناء سر الاتحادات الخليجية سعود الهندي، مثلما اشرنا انفا، اصر رئيس الاتحاد العراقي السابق لكرة القدم حسين سعيد، والذي تربطه علاقات وثيقة مع كبار المسؤولين الرياضيين في السعودية قطر ودول خليجية اخرى، اصر في حديث لـموقع "استاد الدوحة نت" القطري الرياضي على ان بطولة خليجي ٢٢ لن تقام في البصرة، وبدا واثقا مما يقوله وكأن لديه معلومات مؤكدة من مصادر خليجية معنية بالامر، فضلا عن معرفته بحقيقة النوايا المبيتة.
وكان من ما قاله سعيد "ان فرص اقامة خليجي٢٢ في البصرة تضاءلت بشكل كبير وذلك لعدة اسباب، اذ ان هناك من لا يرغب باقامة البطولة في العراق لاسباب عديدة، وهناك امور اخرى يتحملها الجانب العراقي على الرغم من الاحاديث التي تشير الى اكمال كافة الامور اللوجستية المتعلقة بالمدينة الرياضية. اشك تماماً في اقامة البطولة في البصرة لان كل المؤشرات والدلائل تؤكد نقلها الى السعودية خصوصا وان النوايا اتضحت منذ فترة ليست بالقصيرة ان هناك من لا يريد اقامة البطولة في العراق، وهذا الامر يحز في نفوسنا لاننا بذلنا جهوداً كبيرة لكي يحتضن العراق اشقائه مجدداً من خلال تنظيم خليجي ٢٢ في البصرة".
ويضيف رئيس الاتحاد العراقي السابق قائلا "النوايا تقرأ من بين السطور وما شاهدناه خلال الفترة الماضية من تمييع ووضع العراقيل من قبل البعض واضح تماماً وهو ما يؤكد بما لا يقبل الشك ان هناك من لا يريد ان يحضر الى البصرة لاسباب ربما لاتكون خافية على احد ، والجميع يعرف ان العلاقات السياسية دائما ما تلعب دوراً في هذا الجانب مثلما حصل في اقامة خليجي ٢٠ في اليمن حيث كانت الاوضاع هناك غير مستقرة لكن قراراً سياسياً قد اتخذ باقامة البطولة في عدن والجميع يعرف ماهي الاوضاع التي كانت تعيشها اليمن خلال تلك الفترة.
-من المنطقي والمتعارف عليه ان تعقد اجتماعات رؤساء الاتحادات الرياضية الخليجية لكرة القدم في الدولة التي يفترض ان تستضيف البطولة، ولكن الضغط السعودي والرغبة البحرينية فرضا عقد الاجتماعات في العاصمة البحرينية المنامة، ليتخذ من هناك قرار نقل البطولة من البصرة الى جدة.
-وحتى تأخذ الامور ابعادا اوسع استخدمت الرياض نفوذها وتأثيرها على الاتحادين الدولي والاسيوي لكرة القدم لدفعهما لاطلاق تهديدات للعراق في حال اقيمت اية مباريات مع فرق خارجية على ارض البصرة، في ذات الوقت الذي قيل ان تهديدات مماثلة وصلت الى نادي العهد اللبناني الذي شارك في افتتاح المدينة الرياضية في البصرة بمباراة ودية جمعته مع نادي الميناء العراقي.
ومن خلال تناول تلك المعطيات من جوانبها المختلفة، ومقاربتها بمجمل السياسات السعودية حيال العراق طيلة الاعوام العشرة الماضية، يبدو للمتتبع ان الجهد الذي بذلته الرياض لسلب العراق حق تنظيم بطولة خليجي ٢٢، يشبه الى حد كبير جهدها المحموم لحرمان العراق من استضافة القمة العربية العادية بنسختها الثانية والعشرين ربيع العام الماضي، ولعل فشلها هي والدوحة في ذلك، جعلها تستقتل وتبذل كل ما وسعها من قدرات وامكانيات من اجل منع العراق من تحقيق حضور اخر في محيطه العربي، ورأت ان نقل البطولة الى جدة انتصارا لها، بيد انها لم تكد تتذوق طعم ولذة هذا الانتصار حتى صدمت بقرار العراق الانسحاب من البطولة، ولاشك ان انسحاب العراق سيفقد البطولة الكثير من الاثارة والجاذبية والمتابعة الجماهيرية، لان الفريق العراقي يعد من الفرق القوية والمؤثرة خليجيا وعربيا واسيويا، وهو الذي حصل على كأس بطولة الخليج ثلاث مرات ، واحتل المركز الثاني عدم مرات واحرز كأس اسيا في عام ٢٠٠٧.
نشوة الانتصار الرياضي السعودي لم تدم طويلا، بل تحولت الى انكسار من نوع اخر يضاف الى انكسارات الرياض السياسية المتلاحقة في المنطقة.