دأب الإنسان على إحاطة نفسه ومجتمعه بكل السبل والوسائل التي تحميه وتحافظ على وجوده وتهيء له الظروف الملائمة التي توصله الى السعادة المبتغى الذي يبحث عنه كل إنسان ، وهذا ما أظهره التاريخ الإنساني منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الخلق ، والقصص والتجارب التي تنقل لنا هذه الحقيقة محفورة على الصخور ومكتوبة على قطع الجلد وأوراق القصب والبردي وتتزاحم بها سطور الكتب والمجلدات ومن كثرتها وأهميتها أصبحت الذاكرة الإنسانية تقلبها في كل لحظة حتى تستفيد منها في حياتها اليومية ، ومن خلال دراستنا للفترة التي لحقت بالتغير الكبير عام ٢٠٠٣ الى هذه الأيام المملوءة بالمآسي والأحزان والدمار وكل ما عانا منه االمواطن العراقي ، لاحظنا أهم الأسباب التي أدت الى هذا التدهور والدمار هما : رفض أو عدم تقبل التجربة الديمقراطية في العراق وصعود الأغلبية ( الشيعة) الى سدة الحكم من قبل المحيط الخارجي ،علماً لكل دولة تحيط بالعراق لها أسبابها في هذا الرفض أو عدم القبول منها سياسية وأقتصادية وطائفية بالإضافة الى تصفية الحسابات مابين دول الكبرى في العالم ، والسبب الثاني حكومة الشراكة أو التوافقية وهناك أسباب أخرى ولكنها ذات تأثير ضعيف أو في نهايتها تعود الى أحد السببين أعلاه ، علماً حتى السبب الأول لاتصبح له أهمية أو نفوذ كبير في الساحة العراقية إذا كانت الديمقراطية تطبق فيه بشكلها الصحيح حيث تتكون الحكومة من خلال ما تخرجه صناديق الإنتخابات من نتائج ومن ثم الكتلة الفائزة بأكثر الأصوات تكوَّن حكومة الأغلبية وبقية الكتل تجلس على مقاعد المعارضة في البرلمان تراقب عمل وخطط الحكومة ، لأن حكومة الأغلبية تتكون من كابينة واحدة متفقة بالأهداف الأساسية على الرغم من أختلاف أصولهم المذهبية والدينية وكذلك القومية ، لأن أغلب الكتل السياسية متنوعة وتمتلك في عضويتها جميع أبناء العراق بمختلف قومياتهم ومذاهبهم وأديانهم ، لهذا فحكومة الأغلبية في حقيقة أمرها هي حكومة شراكة لجميع أبناء العراق بمختلف أديانه ومذاهبه وقومياته فألذي يتباكى على حكومة الشراكة لكي تجمع ممثلي فئات الشعب العراقي في الحكومة ليس صادقاً في بكاءه لأنه يتباكى في حقيقة الأمر على نفسه لأنه سوف يجني من هذا البكاء الكثير لحزبه ولشخصه والتي سيخسرها في ظل حكومة الأغلبية ، فوجود حكومة قوية تقود العراق سوف تجابه جميع المصاعب والتحديات إن كانت خارجية أو داخلية لأن الجسد الذي يمتلك جهاز مناعة قوي سوف يجابه جميع الفيروسات ولكن الجسد الذي يكون جهاز مناعته ضعيفاً يسقط في أول هجوم فيروسي ، وهذا ما حدث للعراق الذي تبنى حكومة الشراكة التي أضعفته الى أقصى حد بحيث يرفض المشاركين في الحكم أن يستورد العراق السلاح بل يسعون لدى الدول الكبرى من أجل إسقاط الحكومة ويتنقلون في العواصم العربية من أجل حياكة الدسائس والمؤامرات على شعب العراق فأي حكومةٍ هذه وأيُ بلاء ، حتى أصبح العراق لقمة سائغة الى أقبح بشر (وليس إنسان) على وجه هذه المعمورة وهم الذين لا يعلمون من الدين إلا التكفير والذبح يعيثون فيه الفساد والقتل والدمار، بل أصبحت أوامر الإرهاب تخرج من داخل مكاتب الوزراء أو مقاعد البرلمان ، فبلد يشترك في قيادته قادة الإرهاب ماذا تكون نتيجته غير الخراب والقتل والأحزان لأنهم يفتقدون للسعادة والآمان والبناء وفاقد الشيء لا يعطيه ، لهذا فأن معاناة الشعب العراقي والتجربة المريرة التي عاشها منذ التغير الى هذه الأيام يفرضان تكوين حكومة الأغلبية لكي تهيء لهم الظروف الملائمة التي توصلهم الى الأمن والحياة الكريمة ومن ثم السعادة التي تبحث عنها الإنسانية كافة.
خضير العواد