وتكمن خطورته في أن وسائله لم تعد ساذجة، كما هي عليه قبل قرن من الزمان مثلا، كما أنها لم تعد محدودة كما قبل سنوات عشر من الآن.. اليوم ينفتح الفضاء الإعلامي في كل لحظة على تطورات مذهلة، تبعا للتطور التقني الهائل في وسائل الاتصالات، ما عزز قدراته في خلق القناعات والأفكار، وتشكيل وصياغة الرأي العام، حيث امتد تأثير وسائل الإعلام، ليطال مختلف جوانب الحياة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. إننا إذن في ثورة من نوع خاص، أدواتها الخبر والتعليق والصورة، من المعلومات التي تصلنا عبر عشرات الوسائل الحديثة، ولم يعد الإعلام فقط ما تقوله الحكومة، بل أن تأثير الإعلام الحكومي خفت الى حد كبير، ولم يعد له ذلك التأثير الحيوي، على الرأي العام الداخلي، أو في صناعة الرأي العام الدولي.. بالعودة الى مفاهيم الثورة، إذ أن لها مفهوم سلبي، هو مفهوم الثورة المضادة، والإعلام واحد من أشد وسائل تلك الثورة مضاءا وتأثيرا..سيما إذا كانت أدوات تحصين المجتمع، لا ترتقي الى مستوى الإعلام المضاد ولا تجاريها، قوة وسرعة وأداءا.. في كل هذه الإشكاليات والمتضادات، لا غنى عن وجود إعلام تديره الدولة، أو تموله وتشرف عليه، ليس بقصد إحتكار المعلومات، أو الهيمنة على الفضاء الإعلامي، لكن لأن الدولة كائن سياسي يقود المجتمع ويخدمه، ومن حقها أن تروج للمفاهيم التي تشكلت بموجبها ولأجلها. واقع الحال في بلدنا العراق، لا يبشر بتلبية هذا الطموح، فإعلام المؤسسات الحكومية منوم مغناطيسيا، وينحى منحى الإرتجال، وأغراضه لا تتعدى الدعاية وتضخيم منجزات المسؤول، بغية تسويقه سياسيا وإجتماعيا، والمؤسسات الإعلامية الحكومية الكبيرة، يطبع عملها نفس التوجه، الهادف لترسيخ أرضية النظام الحاكم، ولكن بمقياس مكبر يثير الإشمئزاز.. ناهيك عن هيمنة الطارئين على مفاصل الإعلام الحكومي المهمة، وهو ما ينتج إعلاما طارئا، لا يقوى على مواجهة الإعلام المضاد، ولذلك لجأت الحكومة في وقت قريب مضى، إلى إيقاف خدمات إعلامية مهمة، مثل الإنترنيت ومواقع التواصل الإجتماعي، وهي خطوة كشفت عن خواء القرار الإعلامي الحكومي، ونزعت عنه ورقة التوت.. مثل هذه الخطوة وغيرها، تكشف عن مدى الحاجة الماسة، الى تخطيط إعلامي مدروس، لا نعتقد أن إعلام الدولة قادر عليه، لأن المطلوب ليس في مدى بصره وبصيرته، سيما أنه مصاب بعمى الألوان! كلام قبل السلام كيف سيتخلص الإنسان من قيوده، وهو لا يستطيع أن ينفتح فكريا، ويرتفع ثقافيا، ويرسم أحلامه الواقعية، ويرتقي بآرائه قدما؟! سلام....