تقدم ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي بأسمى آيات التقدير والإجلال والشكر للشهيد بلال علي محمد الذي فدى بنفسه من اجل الحفاظ على أرواح العشرات من الذين شاركوا في إحياء مراسيم عاشوراء في بلد روز ..
وأضاف خطيب الجمعة في كربلاء المقدسة في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة التي أقيمت في الصحن الحسيني الشريف في ١٧ محرم الحرام ١٤٣٢هـ الموافق ٢٤-١٢-٢٠١٠ م إن تلك التضحية الجليلة تدل على إن أبناء الشعب العراقي بمختلف انتماءاته المذهبية والقومية تربطهم روح المحبة وحب التضحية في سبيل بقية مواطني هذا البلد ..
ويكشف هذا المواطن الشهيد من خلال تضحيته مدى أهمية وضرورة ترسيخ روح المواطنة الصالحة لدى جميع أبناء الشعب العراقي، هذه الروح التي تعني أن تبذل كل شيء من اجل بلدك وشعبك وفق معايير الحق والعدالة، ومنها أن تضحي بنفسك ومالك من اجل حماية بقية مواطني البلد.
وتابع سماحته ما أحوجنا لترسيخ هذه الروح لدى جميع أبناء الشعب العراقي، مطالبا جميع الإخوة منتسبي الأجهزة الأمنية وكذلك الإخوة في الكتل السياسية أن يحملوا هذه الروح ويعني ذلك تجريد النفس من حب الأنا وتجريدها من العمل وفق المصالح الشخصية والضيقة كالمصالح الحزبية والقومية والطائفية على حساب مصالح عامة الشعب العراقي، بل أن يعمل الجميع من اجل خدمة الجميع دون تمييز لمذهب أو طائفة أو قومية وان نحب للآخرين ما نحب لأنفسنا ونكره لهم ما نكره لأنفسنا.
وبعد إعلان التشكيلة الحكومية لأغلب الوزارات أكد سماحة الشيخ الكربلائي ان هذه التشكيلة بحسب المعايير التي اعتمدت من قبل الكتل السياسية لترشيح الشخصيات منها لشغل الوزارات لم يكن بالمستوى المأمول ولم يكن بمستوى طموح الشعب العراقي بل لم يكن متوقعاً فبعد أن كانت جميع الكتل السياسية تؤكدّ على ضرورة اعتماد معايير الكفاءة والخبرة والقدرة على الأداء للمهام الوزارية بما يحقق طموحات الشعب العراقي في تقديم الخدمات والارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين، وإذا بنا نجد إن المعيار الذي اعتمد هو الحرص على إرضاء قياديي هذه الكتل حيث إن عدداً معتداً به من الوزارات قد شغله قياديي هذه الكتل، فمعيار ومبدأ الإرضاء لقياديي هذه الكتل هو الذي اعتُمِد بدلا ً من المعيار السابق الصحيح والذي ينادي به الجميع.
وأكد سماحته إننا لاحظنا كثرة وزارات الدولة فهناك عشرة وزراء دولة وهناك ٤١ وزارة وهو اكبر وزارة عراقية لحد الآن من حيث عدد الوزراء .. وهذا الأمر سيحمّل الدولة تكاليف باهظة كان يمكن استثمارها لمصالح المواطنين في حين إن بعض الدول المتقدمة عدد وزاراتها ١٥ وبعضها في أقصى حد ٢٥ وزارة .. كل هذا العدد الكبير لم يكن له سببا إلا لإرضاء هذه الكتل السياسية وكان ذلك على حساب مصالح المواطنين.
وتوقع سماحته من إن هذا الأمر سيترك ذلك آثاراً واضحة على مدى قدرة هذه الوزارات لأداء مهامها في المرحلة الحساسة التي يمر بها الشعب العراقي مما يجعل هذه الحكومة - ربما - أضعف من الحكومة السابقة، ولو إن هذا المبدأ ستعتمده الكتل السياسية أيضاً في تعيين وكلاء الوزارات والمدراء العامين ورؤساء المؤسسات فان ذلك سيفقد بصيص الأمل في إمكانية معالجة هذا الخلل الحاصل في عدم صحة الاختيار والترشيح.
ولكي لا يصاب المواطن العراقي بالإحباط واليأس ولا أعضاء الحكومة الجديدة بالفشل والتراجع ولمعالجة هذا الخلل الحاصل قال سماحته يمكن ذلك من خلال اختيار مستشارين أكفاء ووكلاء وزارة مؤهلين وأصحاب اختصاص وخبرة ومدراء عامين كذلك، ويمكن أيضا وضع منهاج وزاري واقعي يحاسب على ضوئه أداء الوزير ومسؤولي الوزارة، ولابد من اعتماد الحزم في محاسبة الوزارات المقصّرة كما طالب من الوزارة الجديدة اتخاذ الإجراءات لمعالجة موضوع الرشوة والفساد المالي والإداري الذي ينخر أجهزة الدولة، وتوفير فرص الاستثمار والتأكيد على قدسية العمل وأداء المهام
والواجبات على أفضل وأتم وجه، ووضع حدّ للإجراءات الروتينية المعقدة والبيروقراطية المتفشية في كثير من دوائر الدولة.
وفي سياق آخر وما يتعلق بتصاميم التوسعة للمدن المقدسة والأماكن الأثرية في العاصمة بغداد والكاظمية والنجف الاشرف وكربلاء المقدسة، أوضح سماحة الشيخ الكربلائي إن المرجعية الدينية العليا تؤكد على ضرورة المحافظة على الطابع التراثي لهذه المدن والأماكن .. نعم .. من الضرورة توسعة العتبات المقدسة من اجل توفير الخدمات المطلوبة للزائرين وأداء المهام والنشاطات الفكرية والثقافية والخدمية، ولكن لا يمكن ذلك على حساب المحافظة على الطابع التراثي لهذه المدن.
وكشف سماحته إن المدن القديمة .. كمدينة النجف الاشرف وكربلاء المقدسة والكاظمية المقدسة وبعض المناطق المقدسة الأخرى تضم حولها مناطق قديمة تشتمل على أبنية تراثية بل هي في طبيعة أزقتها وشكل البناء لأبنيتها تحمل بصمات تراثية فلابد من المحافظة عليها، وإذا كانت للتوسعة ضرورة ملحة من اجل تقديم الخدمات المطلوبة للأعداد المتزايدة من الزائرين، فلا بد أن تكون ضمن حدود الضرورة فقط وبحيث يحافظ على الطابع التراثي لجزء من المدينة القديمة فيتم الحفاظ على أزقتها بما تحمله من طابع تراثي وان كانت هذه الأزقة ضيقة يحافظ على أبنيتها ودورها التي
تحمل بصمات تراثية من الهندسة المعمارية، وإن كانت هذه الأبنية والدور آيلة للسقوط وتحتاج إلى تجديد البناء فلابد أن يحافظ على التراث المعماري لها مع التجديد ولا يقبل عذر إنها لم تعد صالحة فتُزال بالكامل ..
ووجه كلامه إلى الوزارات المعنية في بلدنا والمسؤولين والشركات الهندسية المعنية بذلك من وزارة البلديات والآثار والسياحة والشركات المصممة لمشاريع تطوير وتوسعة العتبات المقدسة قائلا: من المعلوم إن الكثير من أمثال هذه المناطق من جميع دول العالم تعتبر من المحميات التراثية التي لا ترضى تلك الدول بتغيير معالمها التراثية لأنها تحمل تراثاً معمارياً وهندسياً ويؤشر لحضارة تمتد في أعماق التاريخ لذلك البلد وذلك الشعب، وكذلك لمدننا المقدسة بمواقعها القديمة تراث هائل من الحضارة والفكر والثقافة فهذه المناطق القديمة تشتمل على أبنية
مدارس دينية وبيوت تحمل بصمات معمارية حضارية وأزقة ذات طابع تراثي تاريخي يذكّر بأحداث تاريخية بهم، فلابد من المحافظة عليها ضمن خطة التوسعة والتجديد.
وبعد أن أحيلت موازنة عام ٢٠١١ إلى اللجنة المالية في مجلس النواب تعرض سماحة الشيخ لبعض الملاحظات فيما يتعلق بالموازنة المالية للعتبات المقدسة لهذا العام .. فقد تم تخفيضها بصورة كبيرة بحيث لا تفي بمتطلبات المشاريع الخدمية والتطويرية والاعمارية للعتبات المقدسة وكذلك لتوسعة هذه العتبات بما يحقق الخدمة المطلوبة للزائرين .. وتوجه بخطابه للإخوة في مجلس النواب وللإخوة في مجلس الوزراء قائلا: من المعلوم إن العتبات المقدسة ليست كبقية الأماكن الأخرى فهي رمز هويتنا وانتمائنا وحضارتنا .. واعمارها وإحياء مراسم الزيارة فيها تمثل ركناً أساسيا
للحفاظ على ديننا وهويتنا الإسلامية.
وأشار إلى تزايد أعداد الزائرين الذي وصل إلى عشرات الملايين الذي يفرض علينا جميعاً ضرورة تقديم أقصى ما يمكن من جهود وإمكانات مالية لتوفير الخدمات وإنشاء المشاريع التي تصب في تلبية الاحتياجات المختلفة لهؤلاء الزائرين، وقال سماحته في هذا الشأن: نأمل من الإخوة أعضاء اللجنة المالية في مجلس النواب وأعضاء مجلس النواب أن يعيدوا النظر في هذه التخصيصات لأنها لا تفي بالحد الأدنى من متطلبات الخدمة والاعمار لهذه العتبات المقدسة.
وفي الختام شدد سماحة الشيخ الكربلائي على ضرورة إنعاش السياحة الدينية بقوله: مما لاشك فيه إن الموارد التي يحصل عليها أبناء الشعب العراقي من هذه السياحة الدينية وكذلك الدولة العراقية فيما لو توفرت الخدمات المطلوبة ستكون لها بالغ الأثر في زيادة دخل الشعب وازدهار البلد وتطوره وتقدمه في المجالات كافة.